مسح موسوعي شامل لمدينة الناصرة
كتاب "تاريخ الناصرة" للاديبة والباحثة نهى زعرب قعوار من مدينة الناصرة (، يعتبر بحثا واسعا وشاملا حول تاريخ الناصرة، ومسيرتها عبر العصور، وهو من اوسع واضخم الابحاث التي صدرت عن تاريخ مدينة الناصرة بحاضرها وماضيها، وهو يحوي كافة المعلومات المطلوبة عن الناصرة، منذ كانت وحتى يومنا هذا.
البحث /المجلد، صدر في اواخر العام (2000) ويشمل على (680) صفحة من الحجم الكبير، وهو جهد كبير كرسته نهى قعوار، عبر سنوات طويلة من البحث والاطلاع والتجميع لمعلومات نادرة عن كل ما يتعلق بتاريخ الناصرة، وقد افتتحت بحثها القيم بقصيدة من تاليفها عن الناصرة (الباحثة معروفة كشاعرة ايضا ) بدل مقدمة، تقول في قصيدتها:
يا بلدة قبلما التاريخ حل بها روح الاله تجلى في روابيها
وتهدي الباحثة نهى قعوار كتابها / مجلدها لكل محب للناصرة، والى اهل الناصرة الذين صمدوا كالحصن الجاثم والشامخ فوق تلالها وجبالها، محافظين على ما تبقى من ترابها المقدس، وعلى كل قطرة ماء ذرفتها عين العذراء مريم وشرب منها سكان الناصرة قديما وحديثا ، كما شرب منها سكان المعمورة قاطبة .
كذلك تهدي كتابها الى كل مغترب من الناصرة،والى كل عربي واجنبي يهتم بتاريخ هذه البلدة التاريخية العريقة المقدسة، والى كل نبتة صبر مغروسة وصامدة على ارض هذا البلد الطيب المعطاء .
وفي التمهيد تعترف نهى قعوار بصعوبة المهمة التي قامت بها لقلة المصادر والموارد المكتوبة عن الناصرة وعن تاريخها الحافل والشامل على مدى عقود التاريخ القديم والحديث .
يعتبر هذا العمل من اهم الاعمال التوثيقية عن تاريخ الناصرة ، وهو مزين بصور تاريخية عديدة ،وتنهي نهى قعوار بحثها الضخم بقصيدة اخرى من تاليفها ،تغنى على وزن "دلعونا" تقول في مطلعها :
"بلدي يا ناصرة بلد البشارة، بلد المحبة بلد الحضارة، تاريخ الاديان من هالمغارة، ارفعي راسك حتى يشوفونا"
كذلك ارفقت نهاية بحثها بمجموعة كبيرة من الامثال المتداولة بين اهالي الناصرة، وقد استعانت في وضع مؤلفها بما يقارب السبعين مرجعا وبحثا . ولاعطاء فكرة عن هذا الكتاب الهام لا بد من الاشارة الى فصوله.
قسمت الباحثة كتابها الى عشرين بحثا او فصلا ،بداتها كما هو متوقع باسم مدينة الناصرة ،موقعها، مناخها وجبالها . وفي الفصل الثاني تعالج مساكن الناصرة واحياءها واسواقها والصناعات والحياة التجارية وعدد السكان الخ...في الفصل الثالث تطل على الناصرة في بطون التاريخ، وفي عهد المسيح،ومواقعها التاريخية والسياحية ،ومكانتها في الكتاب المقدس وفي اقوال المؤرخين،اما في الفصل الرابع فكتبت عن عين العذراء اشهر مواقع الناصرة اطلاقا،وكتبت عن مصادر المياه ،وينابيع الناصرة ،والامطار وصلاة الغيث ،التي تعتبر من التقاليد الفولكلورية التي بدأت تختفي . في الفصل الخامس تقدم معلومات عن المدارس والتعليم في الناصرة قديما وحديثا، وعن الاناشيد المدرسية حتى عام 1948.وفي الفصل السادس تستعرض المعالم الاثرية في الناصرة،مثل الحمام التركي، المسكوبية (التي كانت مدرسة روسية مشهورة تخرج منها الكثير من رجال الفكر والمشهورين على صعيد العالم العربي والعالم اجمع مثل ميخائيل نعيمة وكلثوم عودة وغيرهم ) كما تكلمت عن مدرسة شنلر الالمانية المهنية التي تخرج منها الكثير من المهنيين في الناصرة والقضاء. وكتبت عن دير ابو اليتامى السلزيان،وتيراسانطة التي هي اليوم مدرسة ثانوية ذات مستوى عال.
اما في الفصل السابع فتدخل الى عالم الازياء والحلي، وعادات الزواج والاحزان والولادة والمشاكل لدى اهل الناصرة ".
تعالج في الفصل الثامن، موضوع الاراضي في الناصرة، والاغاني النصراوية على الارض ومرج ابن عامر "قطعن النصراويات مرج ابن عامر" وقرى القضاء وتسجل قائمة بأسماء القرى وسكانها ومساحتها. من الفصل التاسع حتى الفصل الثاني عشر، تستعرض كنائس الناصرة وقيمتها التاريخية والاثرية، والعهود الصليبية فيها، وسجل عن أملاك وأوقاف الطوائف العربية المسيحية وغيرها من المسائل المثيرة للاهتمام، والتي تشمل معلومات بعضها غاب عنا او لا نعرف عنه شيئا.
في الفصل الثالث عشر تقدم عرضاً للمقدسات الاسلامية في الناصرة، والجوامع والمقامات الدينية المشهورة بالناصرة. أما في الفصل الرابع عشر، فكتبت عن فنادق الناصرة، بدءاً من الخانات المشهورة تاريخياً وصولا للكازانوفا. في الفصل الخامس عشر تتحدث عن بلدية الناصرة وتقدم سجلا باسماء رؤساء البلدية فيها. وتنهي الفصل بالحديث عن مشروع الناصرة 2000 الذي نفذته بلدية الناصرة الحالية.
وتعود في الفصل السادس عشر لاعماق التاريخ، لتقدم لنا بحثاً وافياً عن أصل أهل الناصرة، وأصل العرب المسيحيين،والمبنى الديني والطائفي في الناصرة، وعائلات الناصرة القديمة.
في الفصل السابع عشر، تستعرض نهى قعوار تاريخ مستشفيات الناصرة، والخدمات الانسانية التي قدمتها في فترة غياب أي خدمات طبية حكومية وصولا لايامنا، واستمراراً لهذا الدور وللتطوير المتواصل للمستشفيات وتحويلها الى مراكز طبية ذات مستوى عال لا يقل عن مستوى المستشفيات الاسرائيلية الاخرى، رغم الضائقة المالية، وتهرب السلطات المسؤولة من التزاماتها المالية.
في الفصل الثامن عشر، تتحدث عن العهود التي مرت على الناصرة، وخاصة في فترة الصليبيين والمماليك والعهد العثماني. وفصل خاص عن عهد ظاهر العمر، وصولا للانتداب البريطاني وللحركات السياسية التي قامت، وبالاساس عصبة التحرر الوطني (تنظيم شيوعي) ثم احتلال اليهود والتغييرات التي جرت على الناصرة بعد اقامة دولة اسرائيل ومشاريع التهويد والمصادرة للارض واقامة المستعمرات على اراضي الناصرة والمنطقة وخاصة نتسيرت عيليت.
في الفصل التاسع عشر، تعود لبطون التاريخ القديم، لتبين ان الجليل كان موطنا للانسان القديم، ومركزا للبشارة والتعاليم المسيحية، وتقدم جدولا بالذين سكنوا الارض المقدسة، وصلة العرب بالعبرانيين،وغيرها من القضايا التي تتحدث عن عصر العبرانيين، واصل سكان فلسطين، واسباب ادعاء اليهود بان فلسطين ارض اجدادهم، وصولا للفتح العربي لفلسطين.
وفي الفصل الاخير، العشرين تتحدث عن اعلام الفكر والعلم والادب . وعن شخصيات ادبية عاشت على ارض الناصرة قديما وحديثا، وتواريخ مهمة في حياة الفلسطينيين.
ما استعرضته نهى زعرب قعوار، هو نقطة من بحر هذا البحث، اكثر الابحاث اكتمالا وتجميعا للمعارف والمعلومات عن الناصرة. وهو بلا شك مرجع ضروري، لكل من يريد ان يعرف عن الناصرة وتاريخها وحضارتها وواقعها الحديث.
بمناسبة يوم النكبة...
عاش سكان الناصرة حالة من التوتر والخوف والقلق قبيل احتلال مدينتهم بفترة ليست بالطويلة. وفي هذه الفترة بالذات حصل خلاف بين اللجنة القومية، وبين البلدية، على تولي حكم الناصرة في تلك الفترة العصيبة التي خلت فيها الناصرة من كل حكم. وبعد ذلك حصل اتفاق بين الهيئتين على تشكيل هيئة ثلاثية لادارة دفة الحكم في مدينة الناصرة، تتألف من رئيس البلدية في تلك الفترة السيد يوسف الفاهوم، ورئيس اللجنة القومية السيد ابراهيم الفاهوم، والشيخ سعد الدين العلمي الذي تولى رئاسة الهيئة الثلاثية لادارة البلد، وكان قاضياً في تلك الفترة في الناصرة، بعد ان كان قاضياً في مدينة طبريا سنة 46-1947 ونقل الى الناصرة في 10/1/1948 أي في أواخر عهد الانتداب البريطاني .
في هذه الفترة كانت الناصرة بحاجة ماسة للسلاح لحمايتها. ولهذا اجتمعت اللجنة الثلاثية، وقررت ارسال وفد الى دمشق لاحضار السلاح. وفي صباح يوم الثلاثاء 17/4/1948 توجه وفد من رجالات الناصرة الى بيروت وكان مؤلفاً من السيد يوسف الفاهوم، وابراهيم الفاهوم، وعلي الزعبي، وأحمد كامل الضاهر، وأمين السالم، والقاضي سعد الدين العلمي.
وفي 28/4/1948 توجه الوفد الى دمشق الشام، وقابلوا الحاج آمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا، ومفتي فلسطين، الذي طمأنهم بأن الجيوش العربية ستدخل فلسطين ساعة انتهاء الانتداب البريطاني، وبأنه لا ضرورة للفزع. ورجع الوفد ..كما ذهب ..بدون سلاح.
وسقطت مدينة طبريا بأيدي جيش الدفاع الاسرائيلي، وهرب أهلها والتجأوا الى الناصرة، ولم يكن في الناصرة أمكنة لايواء كل هذه الحشود . وتوجه أعضاء اللجنة الثلاثية الى الحاكم العسكري الانجليزي مستر فوت، وطلبوا منه تقديم المساعدة لاهالي طبريا المنكوبة، ثم توجهت اللجنة الى ظابط مساحة فلسطين السيد منيب أمين زعرب، كما توجهت الى دائرة الاشغال العامة وغيرها من الدوائر الحكومية ، لاجل تسلم الخيام لايواء أهالي طبريا، لكن جميع الدوائر رفضت تسليم الخيام لهؤلاء اللاجئين بأمر من الحاكم العسكري الانجليزي في ذلك الحين "مستر فوت" الذي قال للجنة، يجب البحث عن أماكن يستقرون فيها وليس عن مأوى مؤقت كالخيام التي لا تصلح للسكن. وهكذا فتحت الاديرة و الكازانوفا والمساجد أبوابها وسكن فيها أهالي طبريا .
وفي اليوم التالي طلب صدقي الطبري مدير بنك الامة في طبريا، احضار سجلات البنك واوراقه ونقوده، وطلبت اللجنة من مساعد الحاكم حراسة الموظفين ورئيس كتّاب محكمة طبريا الشرعية ، الشيخ حسن الحبش لاحضار مستندات وسجلات المحكمة والبنك ، وتم لهم ذلك ، واحضرت جميع المستندات من طبريا والناصرة وارسلت الى دمشق. اما سجلات المحكمة الشرعية في طبريا فبقيت في محكمة الناصرة الشرعية.
وفي صباح 9 أيار سنة 1948 صرح رئيس اللجنة القومية السيد ابراهيم الفاهوم بأن عنده خبراً سرياً مفاده، قدوم الحاج آمين الحسيني الى الناصرة في صبيحة اليوم التالي أي في 10 أيار . وبأن على اللجنة استقباله عند حدود فلسطين سوريا . وجاء الحاج آمين الحسيني الى حدود فلسطين ووجد الحشود من ابناء صفد المهجرين الى سوريا ، ولم يبق للحاج مجال للحضور الى الناصرة التي ستكون مطوقة من جميع الجهات ، ورجعت اللجنة القومية الى الناصرة، ورجع الحاج أمين الحسيني الى سوريا. وفي صبيحة يوم الجمعة الموافق 11 حزيران سنة 1948 وصل الى الناصرة السيد فوزي القاوقجي ومعه الامير مجيد ارسلان ، وزير الدفاع اللبناني وكان ذلك قبيل الساعة الثامنة صباحاً، وفي هذه الساعة بالذات ، ابتدأت الهدنة لمدة أربعة اسابيع. وفي هذه الاونة كانت القوات الاسرائيلية تسيطر على شريط الساحل من حيفا الى رأس الناقورة، في حين كانت قوات جيش الانقاذ، تسيطر على التلال الواقعة الى الشرق في الجليل الغربي. وقد كانت القيادة الاسرائيلية تعمل على دعم مواقعها وزيادة مساحة احتلالها فقررت تطويق قوات جيش الانقاذ، ورسمت لذلك مخططاً اسمته "ديكل" الذي كان يرمي الى تحقيق الاهداف التالية:
1. مهاجمة قواعد جيش الانقاذ.
2. شل خطوط المواصلات.
3. احتلال مواقع دفاعية هامة لاحباط أي عملية هجومية تقوم بها قوات جيش الانقاذ.
4. انشاء خط دفاعي قوي .
ولتنفيذ المخطط "ديكل" تم تعيين "حاييم لاسكوف" لقيادة عملية احتلال الناصرة. وكانت قواته تتألف من كتيبة واحدة من لواء "كرملي" وثلاث كتائب من اللواء السابع واحدة منها مدرعة.
مقابل ذلك كانت القوات العربية المكلفة بالدفاع عن الناصرة ، مكونة من سرية مشاة تعاونها قوة من الشرطة الفلسطينية العربية عدد افرادها 175 شرطياً ، وحرس من اهل الناصرة المسلحين عددهم نحو 200 مجاهد، الى جانب 150 مجاهداً تابعين للهيئة العربية العليا ومسلحين بعدد من الرشاشات والبنادق المضادة للدروع .هؤلاء تولوا الدفاع عن القسم الغربي من المدينة .وكان في صفورية التي تبعد مسافة 5كم تقريباً الى شمال الناصرة، قوة من المجاهدين المحليين عدد افرادها مائة مقاتل تقريباً، وكانت مرتبطة بالهيئة العربية العليا. كما كان لجيش الانقاذ في شفاعمرو فصيل واحد مكون من ثلاثين مقاتلا تقريباً من فوج حطين يساعده 120 مسلحاً من أبناء القرية. وعلى أساس هذه الترتيبات، كانت حامية الناصرة قوية بالمقارنة الى الحاميات في المواقع الاخرى.وقد حفرت الخنادق وأقيمت التحصينات وزرعت الالغام في بعض المناطق، ووضع قائد جبهة المنطقة خطة الدفاع عن الناصرة وفقاً لتوجيهات القيادة، وبالاتفاق مع القادة المحليين .
في9/7/1948 استولت القوات الاسرائيلية على مخفر أمامي يبعد مسافة 5كم تقريباً عن الطريق الساحلي فسيطرت بذلك على طريق موازٍ عند أسفل التلال.
وفي 11 تموز استولت قوات جيش الدفاع الاسرائيلي على عدد من القرى العربية، فاستقر خط دفاعها على مسافة متقدمة نحو الشرق. وفي هذا الوقت قامت قوات جيش الانقاذ بشن هجوم مضاد باتجاه نهاريا وعكا. وعندما ظهر بوضوح ان القوات اللبنانية لن تقوم بشن أي هجوم، ركّز حاييم لاسكوف هجومه باتجاه شفاعمرو، وهي الباب المؤدي الى الناصرة، فسقطت في صباح 14 تموز. وخطط لاسكوف للاندفاع نحو الناصرة في محاولة لمهاجمة المدينة قبل أن يتضح الموقف لقائد جيش الانقاذ"فوزي القاوقجي" فيقوم بدعم حاميتها. وفي الوقت ذاته وصلت قوة صغيرة من "لواء جولاني" الى مستعمرة كفار هحورش لايهام القاوقجي بأن هجوما ًوشيكا ًسيتم على الناصرة من جهة الجنوب.
غادرت القوة الرئيسية لجيش الدفاع الاسرائيلي شفاعمرو وكانت تسمى "ياعر"أي الغابة بقيادة حاييم لاسكوف، في طريقها الى قرية صفورية ووصلتها في الساعة الثامنة من مساء يوم الخميس 15 تموز سنة 1948 حيث بدأالهجوم على صفورية القريبة من الناصرة، والتي تبعد عنها خمسة كيلومترات فقط.
وسمع ازيز الرصاص في الناصرة وفي قرية كفرمندا وغيرها من القرى القريبة منها، كما قطعت بعض أسلاك الهواتف. وسقطت صفورية في تلك الليلة، وهرب أهلها الى الناصرة، واستوطنوا فيها على قمة جبل "النبي سعين" حتى هذا اليوم من عام 2000 وسمي الحي باسمهم "حي الصفافرة".
وفي صبيحة يوم الجمعة الموافق 16 تموز من عام 1948 اجتمع رئيس بلدية الناصرة السيد يوسف الفاهوم برؤساء الطوائف المسيحية في الناصرة، واخبرهم بأن اليهود قد احتلوا قرية صفورية، ونحن في الناصرة لا نستطيع الا ان نستسلم لاننا غير مستعدين للمقاومة. وتبددت آمال اهل الناصرة في النصر.
لقد كان في الناصرة قبيل احتلالها من جيش الدفاع الاسرائيلي 193 مقاتلا عربياً، منهم 65 تابعون لجيش الانقاذ، كانوا يؤلفون كتيبة "حطين" بقيادة رئيسهم العراقي "مدلول عباس"والرئيس "عامر حسك" و 28 من رجال الجهاد المحلي، وكان قائدهم "توفيق ابراهيم" (أبو ابراهيم الصغير) من قرية اندور الواقعة في مرج بن عامر. وكان عبد اللطيف ابن الشيخ قاسم الفاهوم مفتي الناصرة، يقود 100 مجاهد من الناصرة وقضائها، وكانت هذه القوات تؤمر بأوامر فوزي القاوقجي، قائد جيش الانقاذ وهو سوري الجنسية، وجعلوا مركزهم في "المسكوبية" وسط المدينة و مقر شرطة الناصرة فيما بعد.
ركّز القاوقجي قواتاً كبيرة في الناصرة، وأعدّها لكي تحتل الشجرة، ولكن الفرقة رقم 12 من كتيبة "جولاني"ابتدأت بالهجوم في يوم 9 حزيران واحتلت الشجرة ،كما تقدمت فرق أخرى من جولاني أيضاً واحتلت قرى معلول والمجيدل، وبعد ذلك انضمت الى "كفار هحورش" التي كانت المستوطنة الوحيدة في منطقة الناصرة. وهكذا أصبح واضحاً جداً لاهالي الناصرة بأن قوات جيش الدفاع الاسرائيلي كانت مستعدة لمهاجمة مدينتهم من الجهة الغربية.
وهذا ما حصل، ففي ساعات الظهر من الخامس عشر من حزيران، تركزت القوات المعدة من جيش الدفاع الاسرائيلي، وكانت تسمى "ياعر" أي غابة، على الطريق الغربي لمدينة شفاعمرو .
(في هذه الفترة يرى عارف العارف في كتابه النكبة 1947 -1955 ان سقوط اللد والرملة كسر معنويات العرب في مدينة الناصرة، وبعثر قوات جيش الانقاذ)
كما ان أخبار مذبحة دير ياسين كانت قد وصلت أيضاً الى مدينة الناصرة، مما زاد من خوف السكان ، فتبلبلت أأفكارهم واختبأوا في المغاور وفي الطوابق السفلى للبنايات .
وهكذا ابتدأت عملية احتلال الناصرة، وذلك بانضمام الفرقة رقم 13 التابعة لكتيبة جولاني، تحت قيادة "ابراهام ليفي" الذي كان مسؤولا عن تأمين سلسلة المصفحات التي ستهاجم الناصرة من جهة كفار هحورش الى قرية عيلوط. وبعد احتلال قرية صفورية، عقدت جلسة بين قيادة جبهة الشمال وبين قيادة الهجوم ، وتقرر التقدم السريع لاحتلال الناصرة، وتقررت ساعة الصفر وذلك في الساعة 30 :15 من يوم 16 تموز سنة 1948 وتحركت القوات الاسرائيلية الى الجهة الشماية الغربية، من البلدة، وبعد معركة قصيرة بين قوات الاحتلال الاسرائيلي وجيش الانقاذ "فرقة حطين" التي كانت تتألف من متطوعين فلسطينيين ومتطوعين من البلاد العربية، خصوصاً من العراق، تغلبت الفرقة الاسرائيلية المصفحة على مدخل الناصرة الشمالي على مفترق طريق الناصرة طبريا، والناصرة شفاعمرو.
حدث ذلك في الساعة 40 :17 مساءً. وقتل في هذه العملية 16 جندياً من جنود جيش الانقاذ، بينهم انجليزي واحد وآخر ألماني الجنسية، وأما باقي الجنود فكانوا عراقيين.
لقد عاش سكان الناصرة في ذلك اليوم حالة من البلبلة، وتجمع معظم شبان المدينة في رأس الخانوق ، نقطة تفرع الناصرة طبريا والناصرة شفاعمرو. وفي حرش القشلة (القشلة معناها بيت الجند بالتركية) وكان يتواجد هناك بضعة جنود من جيش الانقاذ، وكنت مع والدي ووالدتي واخوتي الصبيان الثلاثة، أيضاً هناك بقرب الجنود لالتصاق الحرش ببيتنا. وفجأة سمعنا ازيز رصاص كثيف، وصوت قنابل ومتفرقعات ، فركضنا نحو المنزل بسرعة كبيرة، وأرْتَج والدي الابواب واختبئنا داخل المنزل، وسمعنا صوت العديد من الناس يركضون هاربين عن طريق بيتنا الى حواكير الجيران ومنازلهم، كما التجأ بعضهم عندنا.
كان ازيز الرصاص والقنابل يصم الاذان، ولم يجرؤ أحد منا على الخروج من المنزل، وبعد قليل خرج والدي الى الغرفة المطلة على الشارع الرئيسي المسمى بشارع النمساوي، وخرجت والدتي في أعقابه ولحقنا بهما، كان والدي ينظر عبر النافذة، واستدار فجأة وقال لامي بفرح شديد، أنظري يا عزة ..انه الجيش العراقي . لقد كان الجيش الاسرائيلي يعتمر الكوفية الحمراء، ويركب المدرعات الانجليزية.
ولم يدم فرح والدي لاكثر من لحظات قليلة، فلقد سمع أحد أفراد الجيش يصيح "قديما" أي الى الامام، و"بو هينا " أي تعال الى هنا، ورنّت هذه الكلمات في أذن والدي الذي غاض الدم من وجهه، وعلت وجهه صفرة أشبه بصفرة الموت. وارجعنا بسرعة غريبة الى الغرف الداخلية للمنزل .
لقد كان والدي مثله كمثل بقية سكان مدينة الناصرة، يخاف خوف الموت من تكرار ما حدث من فظائع في دير ياسين. لم أكن أعرف في ذلك الوقت لماذا خاف والداي، فلقد كنت في الثانية عشرة من عمري، لا أهتم بالامور السياسية، ولا أدري ما يدور في رأسيهما.
وابتدأت فرق الجنود تتوافد قرب بيتنا، فوصلت فرقة من مستوطنة كفار هحورش التي تقع الى الغرب من الناصرة، ثم أتت فرقة ثانية من قرية صفورية في شمال مدينة الناصرة الغربي، وفرقة أخرى من جهة مرج ابن عامر في الجنوب. وحلّقت في نفس الوقت في سماء الناصرة ثلاث طائرات .
قدّر عدد الجنود اليهود الذين هاجموا الناصرة واحتلوها، 500 فرد من المشاة مزودين ب 13 مدرعة حربية و 50 سيارة جيب، وعدد من المدافع الثقيلة .
قتل في ذلك اليوم 83 رجلا من الناصرة وقتلت راضية المهدي والدة المجاهد فؤاد العيلوطي وذلك لانها غنّت للحاج أمين الحسيني بقولها "حاج أمين يا منصور"وذلك لانها حسبت الجيش اليهودي جيشاً عربيًا، لارتدائه الكوفية الحمراء.
لا أعلم بالظبط كم من الوقت مضى، لكنه ليس بالوقت الطويل حين سمعنا كلمة افتح..افتح باللغة العربية وبعد لحظات سمعنا صوت خلع باب الجيران. وجاء دورنا..وكنا نرتجف بشدة ونحن نسمع صوت عويل أطفال الجيران ، وضُرب بابنا بأعقاب البنادق، وبالارجل من قِبل الجنود الذين قالوا باللغة العربية ..افتح ..افتح والا سنخلع الباب. وتشجع والدي وقال: لا تخلع الباب ..سأفتح . وارتجفت أمي ، والتصقت بي بشكل غير طبيعي ، أما اخوتي الصبيان الثلاثة فقد التصقوا بوالدي الذي رفع الحديدة الثقيلة من وراء الباب، والتي حضّرها خصيصاً لمثل هذا اليوم لعدم الاستقرار الذي كان يسود المنطقة . وفتح والدي الباب، وكان هناك ثلة من الجنود ، مدججين بالسلاح، وصاح أحد الجنود..ارفعوا الايدي ، ورفع والدي يديه ، ونطر أحد الجنود نحو أمي وقال لها بشراسه (ارفع ايديك) ونظر الينا قائلا: (ارفع ايدك انت كمان) ورفعنا ايدينا الصغيره ونظرت بطرف عيني دون ان احرك رأسي من الخوف نحو اخوتي الصغار 4 و6 و8 سنوات وكنت انا اكبرهم، ورأيتهم لدهشتي يرفعون ايديهم الصغيره فوق رؤوسهم تبعا للتعليمات القاسيه والفظه الصادره من الجنود والتي انغرست في صدورنا وفي ذاكرتنا حتى هذا اليوم . وانزلقت الدموع من عيني منحدرة تباعاً ساخنة وحارقة على خدّي الصغيرين، دون أن أجرؤ على انزال احدى يديّ أو مسح دمعة واحدة من هذه الدموع المنسكبة بغزارة وبدون توقف من عيني اللتين لم تعرفا الدموع من قبل ، فلقد كنت طفلة والدىّ المدللة والغير معتادة على هذه التصرفات القاسية. ونظرت الى ناحية والدي، فرأيت أحد الجنود يقوم بتفتيشه وبقلب جيوبه، ووجد فيها علبة مصاغ أمي الماسية الثمينة، وبكل بساطة ، وبعد أن رأى ما بداخلها، وضعها داخل جيبه، وطالبه والدي بارجاعها لكنه صرخ في وجهه ودفعه في كتفه بكعب البندقية قائلا: امش الى الامام.
وحزنت امي على مصاغها الثمين ، فخلعت من اصبعها محبسها الذهبي ، وقالت للجندي: خذ هذا أيضاً فأنا لست بحاجة له. ونظر الجندي اليها شزراً وقال: (لا هذا خليه منشانك) وصاح أحدهم ..امش الى الامام ،ومشينا وكل واحد منا يشعر بكعب بندقية تشكه في ظهره، ومشينا كقطيع صغير يساق الى الذبح، وابتدأنا بقطع الحرش المتاخم لبيتنا، ذلك الحرش الذي احتوى جميع ذكريات العائلة حيث كنا نتنزه به دائماً، وحيث كنا قد رأينا قبل ساعة من الاحتلال بضعة جنود من جيش الانقاذ، كان أحدهم ينام على الارض، ورأيت ويا لهول ما رأيت ..لقد كانت رجله مقطوعة، والدم ينزف منها بغزارة وكانت بندقيته ملقاة على الارض بالقرب منه..وفجأة رأيته يلتقطها بسرعة، ويطلق منها عدّة رصاصات باتجاه سطح بيت مقابل للحرش، كانت تسير عليه جندية متغطرسة من جنود جيش الاحتلال الاسرائيلي فأصابها في عنقها فسقطت من الاعلى على الارض .
ورفع الجنود بنادقهم وأفرغوها في صدره،فمات على الفور. وبكيت أنا واخوتي وأمي بصمت حزين، وسرنا حتى وصلنا الى الساحة الترابية الكبيرة في رأس شارع الخانوق، حيث يتفرع هذا الشارع الى طبريا والى صفورية وشفاعمرو والعديد من القرى العربية المجاورة .
وهالنا المنظر..فلقد كانت أقدامنا الصغيرة تنغرس في يم من الرصاصات النحاسية الصفراء الفارغة والمتناثرة على الارض بكميات هائلة. كانت هذه الرصاصات وهذه المفرقعات هي ما سمعنا ، وما أصم آذاننا عندما وصل الجيش الى مدينة الناصرة، وذلك قبل ان يخرجونا من بيوتنا، نحن وجميع سكان منطقة الخانوق. ووصلنا الى مفترق الطرق، ووقفنا حيث أشار الظابط ، وكانت أمي تلتصق بجسدي الصغير المرتعش بشدة لهول ما مر علينا، وكان والدي واخوتي الثلاثة الصغار يقفون الى جانبنا .
ووقفنا..ووقفنا طويلا جداً، وبدأنا نتأفف ككل الصغار الذين لا يحبون التسمر في مكان واحد، واقترب منا أحد الجنود وقدم لنا بعض قطع الشوكولاطة التي كنا نحبها كثيراً، لكننا رفضنا قبولها . لقد كنا في حالة هلع شديد، فكلمة "يهود " كانت تعني لنا الرعب والخوف والعنف والقتل والذبح والاغتيال والاغتصاب وغير ذلك مما كنت اسمعه وأحفظه في جلسات وسهرات الكبار من حكايات حول ما تقوم به عصابات "شتيرن " "والاتسل" "والهجناة"،هذا ما تخيلته وما دار في خلدي في تلك الساعات الرهيبة أثناء وقوفنا في العراء، وتأملت في هذه المخلوقات التي أمامي..انهم بشر مثلنا، اذن لماذا يقومون بكل هذه الافعال. دارت كل هذه الافكار في مخيلتي الصغيرة، وتنبهت فجأة، ونظرت حولي ، فرأيت شاباً من أبناء الجيران اسمه سعيد كان يسير صاعداً شارع الخانوق بخطىً ثابتة، وكان ينظر الى الجنود بنظرات ملؤها الاعجاب والحب والسعادة ، وكان يبتسم لهم ، وتعجبنا لمنظره ماذا دهاه..واقترب سعيد اكثر وأكثر من أحد الجنود، ووضع يده على صدره وقال:"مسلم والحمد لله".وبحركة عصبية وسريعة ، صوب الجندي رشاشه نحو صدر سعيد، واطلق عليه عدة عيارات نارية. وسقط المسكين مضرجاً بدمائه.لقد خدعوه بكوفيتهم الحمراء، ودفنت وجهي بثوب أمي باكية وشاعرة كأن الرصاصات دخلت الى عمق صدري، ونظرت من خلال دموعي الى أبي والى اخوتي والى الجيران من حولي، فرأيت نظرات الرعب والخوف مرسومة على وجوه الجميع. وسأل أبي أحد الظباط باللغة الانجليزية عن مصيرنا ..فقال:اذا سلّمت المدينة سلمتم والا...وسكت .. ثم قال :سنرى ماذا سنفعل..وسكت والدي ، وانتظرنا تعبين وخائفين من المصير المجهول الذي ينتظرنا .
كان من بين من كانوا من الجيران ، الشيخ سعد الدين العلمي، الذي وصل الى مفترق الطرق مع شقيقته برفقة أحد الجنود، وكان يقيم في بيت شفيق الجسر مقابل بيتنا.
ويقول الشيخ سعد الدين العلمي : بدأ القائد يكلمني باللغة الانجليزية ويقول: عليك الذهاب الى البلد واعلام رئيس البلدية بأن يأتي ليسلمني البلد خلال عشرة دقائق، وان لم يفعل فسأنسف البلد، ويقول الشيخ سعد الدين العلمي ، قلت له: يمكنك مكالمته بالهاتف في بيته ، فأعطاني جندياً آخر يتكلم اللغة الانجليزية، وطلب مني أن أرجع الى بيتى لاكلم رئيس البلدية. وبعد ان سرت بضع خطوات ، صاح بالعربية ، اسمع..أنا أريد يوسف الفاهوم ، هل فهمت؟ فقلت نعم فهمت.وسار الشيخ العلمي مع الجندي ، حتى وصل الى بيته، واتصل هاتفياً مع رئيس البلدية الذي قال له: لقد علمت من عدة أشخاص، وأنا بانتظار رؤساء الطوائف المسيحية لكي نحضر بعد قليل.
ووصل رئيس البلدية السيد يوسف الفاهوم وكان يرفع العلم الابيض في يده، وكان برفقته ، رئيس اللجنة القومية ابراهيم الفاهوم، والقس خليل سني شكري الجمل عن طائفة البروتستانت، والخوري الاب باسيليوس عن طائفة الروم الكاثوليك، والسيد نخلة بشارة عن طائفة الروم الارثوذكس،واجتمع كل هؤلاء في بيت شفيق الجسر، واتفق رجال الدين على عدم التوقيع على وثيقة الاستسلام لانه أمر سياسي. وقرأ عليهم الظابط باللغة العبرية ، نص وثيقة تسليم الناصرة، وكان أحدهم يترجم الى العربية، ووقّع رئيس البلدية يوسف الفاهوم على الوثيقة، وتبعه رئيس اللجنة القومية ابراهيم الفاهوم، ثم وقع على الوثيقة السيد صموئيل خميس ظابط بوليس الناصرة الذي احضره الجيش أيضاً من بيته القريب جداً من مفرق الخانوق، ثم وقّع السيد نخلة بشارة، ورفض رؤساء الدين التوقيع على الوثيقة لعدم علاقتهم بالسياسة.
وهذه ترجمة لوثيقة الاستسلام:
شروط الاستسلام
1. مدينة الناصرة استسلمت لجيش الدفاع الاسرائيلي دون قيد أو شرط .
2. القائد العسكري حاييم لاسكوف ممثل جيش دفاع اسرائيل وحكومة اسرائيل المؤقتة، وكل من يُعيَن من قِبَلِه،يأخذ تحت سلطته بلدة الناصرة من الساعة 15 ، 21 بتاريخ 16 تموز سنة 1948 .
3. جميع الجنود وقادة الجيش والظباط العرب من جميع البلدان يسلموا الى قائد الجيش الاسرائيلي.
4. كل مخازن الاسلحة والذخيرة والعتاد العسكري الموجود في أيدي الافراد أو أي سلطة أخرى يسلم حالا لقيادة الجيش.
5. الاخلال بالبند 3 و4 من الوثيقة يُخول القائد العسكري الحكم بالاعدام حسب قراره الشخصي.
6. يتعهد القائد العسكري بالمحافظة على جميع الاماكن المقدسة، الكنائس، الاديرة، وجميع الاماكن المقدسة عند المسيحيين في الناصرة وقضائها.
7. يبقى رئيس البلدية في وظيفته كرئيس مجلس البلدية المنتخب.
8. يستمر رئيس البلدية بالادارة العادية لمصلحة سكان المدينة. ويكون رئيس البلدية تحت امرة القائد العسكري في جميع الامور العسكرية، وصلاحية القائد العسكري، تحديد الامور العسكرية والمدنية.
9. حكومة اسرائيل الممثلة من قِبَل القائد العسكري، تعترف بذلك بمساواة حقوق جميع سكان الناصرة المدنية أُسوة بباقي سكان اسرائيل دون التفرقة في الدين والقومية واللغة.
10. ممثلوا مدينة الناصرة الذين وقعوا على وثيقة الاستسلام يأخذون على عاتقهم كل المسؤولية لتنفيذ شروط الاستسلام بحذافيرها.
11. ممثلوا جيش وحكومة اسرائيل ، الذين وقعوا على وثيقة الاستسلام يتحملون مسؤولية تنفيذ جميع البنود.
الناصرة في 16/7/1948 التواقيع: يوسف الفاهوم ..ابراهيم الفاهوم..صموئيل خميس
حضر التوقيع القس خليل سني شكري الجمل والاب باسيليوس خوري طائفة الكاثوليك والشيخ محمد صبح
وعلى هذا وقع ممثلو مدينة الناصرة . ووقع على النسخة العبرية ممثلوا حكومة وجيش اسرائيل.
وفي الساعة التي تم فيها التوقيع على هذه الوثيقة ، سمح للذين وقعوا على وثيقة الخنوع والاستسلام بالرجوع الى الناصرة لكي يرتبوا الامر مع قوات جيش الانقاذ المتواجدة في قيادة الشرطة في مبنى المسكوبية . وبقي الجنود وقائدهم بانتظار رجوعهم الذي لم يطل لان جيش الانقاذ وافق على الخنوع وعلى تسليم المدينة. وفي ساعات المساء المتأخرة من نفس اليوم، هرب فوزي القاوقجي من طريق ضيقة بين الجبال في شرقي الناصرة، وهرب معه جميع محاربيه.
أما بالنسبة لنا ..سكان حي الخانوق، فبعد التوقيع على وثيقة الاستسلام، سمح لنا بالرجوع الى منازلنا مع ان معظم جيراننا كانوا مختبئين في المغاور الموجودة في هذه المنطقة ولم يخوضوا معنا هذه التجربة القاسية التي واكبت مسيرة حياتنا، وطبعتها بطابع البؤس والعناء.
ولم يشأ والدي الرجوع دون مقابلة قائد الجيش واخباره عن سرقة مصاغ والدتي الماسي، وعندما سمع القائد القصة استغرب ، لكن والدي استطرد قائلا: عندما رأيت الجيش وهو داخل الى الناصرة، أعجبت بنظامه وحسبته جيشا عراقياً في البداية ، ولم أكن أعلم بأنه جيش يهودي وفي داخله لصوص.
لقد كان والدي يجيد اللغة الانجليزية بحكم دراساته العليا وأيضاً لعمله مع حكومة الانتداب البريطاني ،وكان قائد الجيش المحتل انجليزي الجنسية. وانتفض القائد عند سماعه أقوال والدي ،ثم سأله اذا كان بامكانه التعرف على الجندي الذي سرقه، فأجاب بالايجاب، واخذ والدي معه ووقف أمام ثلة من الجنود، فتعرف والدي على السارق بسرعة، وتحسس القائد جيوب الجندي، وأخرج منها العلبة المعدنية التي تحتوي على مصاغ أمي . وسأل الظابط والدي عن محتوياتها فقال: انها عقد ماسي واسورة وخاتم سوليتير وجميعها من الماس الثمين. وفتح الظابط العلبة ، فوجد كلام والدي مطابقاً لما في داخلها. فأعطاه اياها، وصفع الجندي ، وركله بقدمه وأدخله الى احدى المدرعات.
كانت خطوة والدي هذه جريئة جداً ، جعلتنا نعجب من تصرفه الجريء والشجاع، لكنه في نفس الوقت كان تصرفاً خطراً جداً. وسُمح لنا بالعودة الى منزلنا، وعدنا..ويا لهول ما رأينا ، كانت جميع أغراض البيت منثورة على الارض الفراش، محتويات الخزائن كل شيء ملقى على الارض بصورة همجية وحشية، حتى صندوق والدي الاسود الضخم الذي لم نجرؤعلى فتحه في أحد الايام ، كسروا اقفا له، وفتحوه، وسرقوا التحف الثمينة من داخله،كما بعثروا جميع محتويات أدراجه الاربعة الكبيرة، وكسروا المرايا الكريستالية الثمينة التي كانت في غرفة نوم والدي،كما حطموا محتويات"البوفية" الغالية الثمن في غرفة المعيشة الى آخر هذه السلسلة من التخريب والتدمير. وكان منزلنا يحتوي أيضاً على العديد من الاغراض الثمينة لبعض الجيران الذين حسبوا بأن الجيش سيراعي حرمة صاحب البيت ذو المركز المرموق .
ولم نكد نسترد أنفاسنا لهول ما رأينا، حتى فوجئنا بالطرق على الباب، وكان هناك ثلاثة جنود مسلحين طلبوا من والدي ان نصنع لهم القهوة. وصنعت لهم امي القهوة في حلة كبيرة كانت تستعملها لطبخ الطعام، وحملوا القهوة الى سطح منزلنا حيث كانت تحط فرقة من الجنود، لكون بيتنا مشرف على الناصرة من أعلى الجبل، وطلبوا من والدي ان يصعد معهم الى السطح، ثم سكبوا القهوة وطلبوا منه أن يشرب منها قبلهم ، ففعل وتركوه يعود الى المنزل، وتركهم يتمتعون بشرب قهوتهم.
وفي يوم الاثنين 19/7/1948 أرسلت قيادة الجيش طلباً الى والدي مع بعض رجال الجيش، لكي يحضر الى بيت الحاكم في القشلة، حيث كان بعض المسؤولين الكبار، الذين طلبوا منه فتح مكتب المساحة ومدرسة المساحة واعادة موظفيه الى أعمالهم في المكتب وفي المدرسة، لكنه رفض رفضاً باتاً وقال لهم : لا أتعاون مع دولة اسرائيل. وعندما لم يتمكنوا من اقناعه ، طلبوا منه تسليمهم مفاتيح المكتب ومفاتيح المدرسة فأعطاهم اياها .
عمل والدي بعد ذلك في القنصلية الانجليزية في مدينة حيفا ، وحصلنا جميعنا على الجنسية الانجليزية.
ويقول الشيخ سعد الدين العلمي بأنه حضر الى بيته في نفس اليوم رجل يهودي بلباس مدني ومعه نفر من الجيش وطلبوا منه الحضور الى دار الحاكم ،فذهب معهم ووجد هناك جميع رؤساء الطوائف المسيحية، وعرض عليه الحاكم أن يفتح المحكمة الشرعية ، فرفض ذلك رفضاً باتاً وقال: ان الموت أهون عندي من أن أكون قاضياً عند اسرائيل. ويقول الشيخ العلمي بأن الجيش الاسرائيلي تعدى على الكنائس والجوامع، وأعطى الشهادة يوسف الفاهوم عن المسلمين ورؤساء الطوائف المسيحية عن المسيحيين.
وفي يوم الاربعاء 21 تموز 1948 ، حضر شرطي الى بيت حاكم الصلح السيد عزيز جرجورة وطلب منه الحضور لمقابلة الحاكم العسكري، فذهب معه وعرض عليه أن يعينه حاكم صلح أعلى براتب قدره مائتان وخمسون جنيهاً فلسطينياً ، وقبل عزيز جرجورة الوظيفة لانه كما قال : عرف بأن الرفض جزاؤه اما الرصاص في الصدر أو السجن.
وفي الساعة3،30 من يوم الخميس 22 تموز ، فتش نفر من الجيش الجامع، وأخذوا ثلاثة أشخاص، اثنان منهم كانا يقرآن القرآن والثالث أبكم ولم يرجعوهم.
ويعزو الخبراء العسكريون، انهيار الدفاع والمقاومة في الجليل الى أسباب جديدة، وهي أن الجيش العراقي الذي كان يرابط في جنين، لم يقم بأي عمل يذكر لمساندة جناح القوى المقاتلة في الجليل عندما قامت المعارك هناك . وجد اليهود في الناصرة بعد احتلالها 1000 بندقية، بما في ذلك بنادق قرى الناصرة .
وفيما كانت وثيقة الاستسلام تختم، والمفاوضات تجري على قدم وساق، كان اليهود يحتلون عمارة البوليس القائمة في مدخل الناصرة طريق حيفا. احتلوا بعد ذلك عمارة المسكوبية، في وسط المدينة حيث كان يقيم جيش الانقاذ. وبحلول الظلام، وانهزام جيش الانقاذ من الناصرة، كان اليهود قد احتلوا المدينة بأكملها بما فيها دير السلزيان حيث نزعوا الصلبان والصور، وداسوها بأقدامهم على مرأى من رئيس الدير.
وبسقوط الناصرة، سقطت معها جميع القرى المحيطة والقريبة منها مثل الرينة، كفركنا، المشهد، طرعان، دبورية،عين ماهل، اكسال، سولم، نين ، الى آخر هذه القائمة الطويلة من القرى التي احتلوها، والقرى التي هجروا الاهالي منها مثل: لوبية والشجرة والمجيدل ومعلول وصفورية. بعضهم استقر في الناصرة حتى هذا اليوم، وبعضهم استقر في يافة الناصرة والبعض الاخر هاجر الى صور في لبنان. وهكذا احتل اليهود أجمل وأخصب المناطق وأعظمها تاريخأً وقداسة .
غادر الناصرة قبل احتلالها 1000 نفر من سكانها المسلمين، ونفر قليل من المسيحيين .
وكان عدد سكان الناصرة عام 1945 -14،200 نسمة منهم 5600 مسلماً و8600 مسيحياً .
وبضياع الجليل وقاعدته الناصرة، يرى الظابطان العربيان السوريان، أكرم الديري وهيثم الايوبي، أن العرب فقدوا أهم قاعدة لحرب تحريرية شعبية، وكان من الممكن لو بقيت بأيدينا أن تغير مجرى التاريخ بالنسبة للقضية الفلسطينية من أساسها، مع العلم بأن الناصرة كانت تقع في المنطقة المخصصة للدولة الفلسطينية حسب قرار التقسيم. لكن احتلالها ضمها الى دولة اسرائيل.
أما سكان الناصرة فكان قد خُطِطَ لهم من قِبَل القيادة الصهيونية العليا، أمراً بترحيلهم أُسوة بيافا وحيفا وغيرها من المدن والقرى العربية، لكن الناصرة سلمت من هذا المصير، نظراً لوعد القائد بن دوكلمان لوجهاء الناصرة، بالمحافظة على المدينة وعلى سكانها ، في حالة استسلامها بدون مقاومة.
وهكذا أصبحت الناصرة أكبر ملجأ للاجئين داخل اسرائيل فلقد رُحِلَ اليها كما ذكرنا سابقاً، جميع سكان القرى المحيطة بالناصرة، وأيضاً المجاورة لها مثل سكان الدامون ولوبية وبلد الشيخ والعديد من سكان مدينة صفد.
وهكذا استقبلت الناصرة بكرمها المعروف في بيوتها، وفوق سطوح مبانيها، وفي ساحات مساكنها، هذا الكم الكبير من اللاجئين. كما أن الكازانوفا فتحت أبواب غرفها الاربعة والاربعين، وكانت أكبر ملجأ لما يقارب ال 1500 لاجيء معظمهم من مدينة طبريا، واستمروا بالسكن فيها حتى عام 1962 حين بنيت لهم مساكن شعبية ، وسمي الحي "شيكون العرب".
وبعد الاحتلال، فرض الحكم العسكري على الناصرة وعلى جميع القرى والمناطق التي احتلت، وتغير اسم "فلسطين"وأصبحت تسمى "دولة اسرائيل".
وعانى السكان الامرين في ظل هذا الحكم العسكري، واعتقل الكثيرون اعنقالا ادارياً، كما عانوا أيضاً من نظام منع التجول، ومن السفر من مدينة الى أخرى الاّ بتصريح من الحاكم العسكري، وحظر على السكان أيضاً النوم خارج مدنهم وقراهم، وشلّت الحياة الاقتصادية في الناصرة بشكل ملحوظ وكبير، وفقدت المواد الغذائية والرئيسية كاللحوم والبيض والزيت والارز والسكر وحتى الطحين، وكانت هذه المواد توزع على السكان ضمن بطاقات شهرية، وكانت غير كافية أبداً. واستحال التسويق على المنتجين، وفصل العمال من أعمالهم، وحُلّت جميع التنظيمات النقابية العربية، كما صعّبوا على اصحاب الاراضي الرجوع الى اراضيهم لفلاحتها ولاستغلالها كما كانوا يفعلون في الماضي، فالاراضي صودرت والقرى هدمت (هدم 434 قرية من 540 قرية)
وفرضت الاقامة الجبرية على العديد من السكان، ونفي بعضهم الى خارج حدود البلاد، كما نشطت حركة الاعتقالات على العديد من السكان، خاصة من كانوا يعبرون نهر الاردن "الشريعة"عائدين من شرقي الاردن للانضمام الى عائلاتهم بعد أن هربوا أثناء الحرب.
وأما من بقي من أهالي الناصرة، فلقد عاشوا تحت وطأة الاحتلال، كأقلية عربية منزوعة السلاح، وحرية الكلمة، والعمل . وسادت البطالة في الناصرة وقراها، وأُغلقت المصا نع والورش الصغيرة التي كانت فيها، كما أُغلقت شركة الدخان .
وفي عام 1956 صادرت الحكومة الاسرائيلية 1200 دونم من أراضي الناصرة في جبل سيخ، كما صادرت بقربها قطع أراض أخرى تابعة للقرى العربية المجاورة ،وأقامت عليها مستوطنة الناصرة العليا "نتسيرت عيليت"في عام 1957 .
وفي ظل الاحتلال، داومت بلدية الناصرة على ادارة شؤونها ، بعد عام 1948 وحتى يومنا هذا من عام 2000 رغم قسوة الاحتلال وصعوبة وضع السكان
*شاعرة من الناصرة تهتف للكبرياء
بقلم الكاتب والاعلامي نبيل عودة
تقول الشاعرة نهى زعرب قعوار أنها لم تجد سوى قلمها صديقاً حميماً يقاسمها طريق حياة جديدة بعاطفة ومحبة، يسجل بعض النبضات العذبة أحياناً والنازفة أحياناً أخرى. بمقدمتها لديوان شعرها تكشف لنا نهى قعوار عشقها للكلمة، وفهمها لقيمة الكلمة ودورها فتقول: "أحببت دائماً أن أخرج الكلمات الجريئة ..المُحبة ..المتسامية والمعطاءة، من قلبي لكي أفرشها أمام الناس".
غير أن روتين الحياة ومسؤوليات تنشئة الاولاد والنشاط الاجتماعي، والوضع السياسي، حرمها لبعض الوقت من أحسن صديق.. من القلم. وها هي أخيراً تجد الوقت لتمسك بالقلم ولتسطر مشاعرها وأفكارها وانتماءها شعراً مليئاً بالحب الانساني والرؤية الناضجة، لامرأة مثقفة وأم وشاعرة..ومهما أجّلت الرسم بالكلمات الا أن لوحاتها الشعرية فرضت نفسها، وليس بدون حماسة ظاهرة واندفاع ملحوظ في نصوص أول ديوان لها "هتاف الكبرياء".
وفعلت حسناً الشاعرة نهى زعرب قعوار بتعريفنا على هويتها، وفخرها بانتمائها..بقولها:
" إنني بنت الجليل... بنت ناصرة المسيح
بنت هذا البلد الشامخ فوق التل كالطود العنيد"
ثم تقول عن جذورها:
" من هنا أقبل أجدادي جميعاً... ثم قاموا يصنعون المستحيل
حكموا البر .. وخاضوا البحر.. ثم ماتوا كالنسور.
اذن إنتماؤها واضح الحدود والابعاد. ومع هذا أجد لزاماً علي أن أوضح أبعاداً أخرى لهذا الانتماء.
"سُئلتُ ؟ تُحبين ؟
فقلتُ: أُحِبُ ؟
وكيف تُحب النساءُ رجالاً بغير وطن!!!
هذا الموقف ببساطة طرحه يحمل من عمق الانتماء الوطني والحث على التمسك بالوطن، ما يتجاوز معلقلت كاملة .
فحب المرأة للرجل مشروط بحفاظه على أرضه، هذا هو الحب الفلسطيني، وهو لربي أسمى أشكال الحب.
في الواقع هذه القصيدة تشدني لنقلها كلها، فهي مليئة بأكثرمن مجرد الصوت النسوي الهاديء، أكاد أقول قصيدة مليئة برجولة وإقدام وإصرار تتجاوز فيه نهى الكثير من الحماسة الرجولية.
" أنا عربية ..جذوري نقية
سأرفع رأسي حتى السماء..
وأصنع نعشي بزهر الاباء"
وتنهي هذه القصيدة الحارة:
"وإني هنا الزرع والمجد والكبرياء
أعيش أموت وتبقى الضياء."
أدبنا العربي مليء بنساء فخورات بانتمائهن النسوي. وقد ذكرتني نهى قعوار بسلمى بنت القاطيسي التي تغزلت بنفسها بقصيدة من أجمل الشعر.
عيون بها الفلاة فداء عيني
وأجياد الظباء فداء جيدي
أزين بالعقود وإن نحري
لازين للعقود من العقود
الى أن تقول
ولو جاورت في بلد ثمودا
لما نزل البلاء على ثمود.
حقاً كم نحن بحاجة الى نساء يفخرن بانتمائهن، وبنسويتهن ويعرفن كيف يرفعن رأسهن حتى السماء..
النصوص في ديوان نهى تتميز بالوضوح والشفافية، صوراً ولغة وجرأة في اقتحام الفكرة وطرح ذاتها كشاعرة وكامرأة، كقضية واطار. بعض قصائدها.. مثل القصيدة الثانية "لماذا" تتميز بالدادية وهو أسلوب تطور بعد الحرب العالمية الثانية كاحتجاج ضد واقع مفروض، وكرفض حازم لتزييف المواضيع، ويعتمد هذا الاسلوب التلقائية في التعبير. وهذا ما نجده في قصيدتها "لماذا؟؟".
لماذا باتت الانغام أحزاناً...تشردنا وترمينا
ونبض العرق يا وطني ...كأسياف تنادينا
وعلى هذا المنوال الهاديء والحزين والغاضب بنفس الوقت.. تأخذنا نهى في "داديتها" الشعرية.
قرائتي لديوانها ..الى جانب المتعة الحقيقية في الصور الشعرية، التي تميل أحياناً نحو الخلق الدرامي، بحيث تكاد جملها الشعرية تقترب للحواريات المسرحية، لكنني لاحظت أن نهى قعوار تميل أحياناً إلى الفصل بين الفكر والشعور، أوما يسميه البعض "تفكيك الحساسية " وهي طريقة ربما تتيح للمبدع مساحة أكبر في مراقبة الاحاسيس الذاتية وصولا الى المشاعر التي يحملها النص، وتحديدها حتى لا يتحول النص الى مزايدات شعرية حماسية أوبكائية، لا فرق.
نصوص نهى مليئة بالغنائية، وأنا لا أقصد بالغنائية الفرح كما قد يتوهم البعض، إنما سهولة تدفق التعابير الشعرية، وسهولة استيعاب المتلقي لها فكرة ونغمة، مثلاكما جاءفي قصيدة موقف بائس.
"دعني لدمعي ..فقد ناحت أغانينا
هل من مكان .. يزيل العنف يؤوينا
يا حادي العيس .. لا تغضب
ففي بلدي ..بحر من الدم
يمشي في سواقينا"
نهى لا تحاول أن تقدم تبريرات وتفسيرات لفعلها الشعري، بل نجدها من خلال نصوصها مقتنعة بهذا الفعل ومتحمسة له، ربما نتيجة انقطاعها عن الابداع لفترة، واكتشافها (بأن لا شيء متأخر في الحياة) هذا الصديق الذي اسمه "قلم".
في نصوصها تبتعد نهى زعرب قعوار عن افتعال التألق اللفظي، وتحافظ على انسياب منطقي في النص والافكار، وحلمها الشعري واع للحقيقة التي تريد ان تجسمها، بفرحها وحزنها، لذلك نجد نصوصها تنساب باطمئنان وثقة، وكأن شاعرتنا صاحبة تجربة واسعة، وهذا ما نلمسه في الكثير من القصائد، بحيث تطرح رؤيتها بقوة وبصدق وبلا تردد وتوجس من الوقوع بالمبالغة أو الغرابة.
نهى قعوار بديوانها، كسبنا بها شاعرة واعية لمحيطها ولعالمها ولقضاياها، وصوتاً نسائياً مقاتلاً وفخوراً بنفسه وبانتمائه.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------
*ما كتب عن كتاب......... وهج اليراع .........وهتاف الكبرياء
حضرة السيدة نهى قعوار المحترمة ...........الناصرة14/1/1996
عزيزتي أم اسكندر
يسرني في هذا الموسم الجميل بأعياده الميلادية وفي هذه الأيام الأولى من السنة الجديدة أن أَدْعُ لك ولصديقي أبو اسكندر ولأبنائكما والأحفاد بالخير والعافية والسرور.
قرأت "وهج اليراع " و"هتاف الكبرياء" فأعجبتني موهبتك الشعرية من خلال تعابيرك الواضحة، الصافية، التي تحمل للقراء الأفكار والرسائل التي قصد ت توصيلها إليهم دون عناء أو تعقيد.
غنيت للماضي السعيد وللمستقبل المشرق الأكيد، بكيت مع ثكالى غزة ووقفت مع القدس في محنتها وأملت أهل هذا الوطن الأصليين بانتهاء الليل وإشراقة العدالة والحرية. خضت في مضامير الوجدانيات والسياسة والروحانيات والمفاهيم الاجتماعية فكانت رسالتك شاملة .
تجربتك غنية فأ نت أم وجدة وأخت وربة بيت ومثقفة، ونشيطة في حقول اجتماعية وأدبية عديدة ومتنوعة.
عندك مخزون معلومات وتجارب وطاقة ..عساك تأخذين في إحدى صحفنا العربية زاوية أسبوعية تثيرين فيها التفكير والنقاش حول التغيير الذي نمر عليه في البيت والحارة والبلد، نتيجة للتغييرات السياسية والاقتصادية التي تؤثر على حياتنا من حيث المفاهيم خصوصا وأننا نعيش مع أغلبية يهودية حاكمة ومتحكمة وعندها إمكانات كثيرة للتأثير على أنماط حياتنا.
أود أن أشكرك للهدية الثقافية وللإهداء اللطيف وأتمنى لك ولذويك الخير والعافية.
بإخلاص
الدكتور سامي فرح جرايسي
جبل القفزة
من كتاب "تاريخ الناصرة"
بقلم نهى زعرب قعوار
ذكرهذا الجبل في العهد الجديد في (لوقا 4 :عدد 29-31) " فقاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه إلى أسفل. أما هو فجاز في وسطهم ومضى وانحدر إلى كفر ناحوم مدينة من الجليل."
يقع هذا الجبل الى الجنوب الشرقي من مدينة الناصرة، وله قمّتان متقابلتان، ويرتفع 390 متراً عن سطح البحر. وهو جبل صخري، مطل على مرج ابن عامر، وبه آثار لدير قديم من العصور الوسطى، منحوته في الصخر. كما يوجد أيضاً بقايا بركة وقبور منحوتة في الصخر.
سمي هذا الجبل بالقفزة لاعتقاد سكان الناصرة في ذلك الحين (وكانوا من اليهود)، بأنه الجبل الذي حدثت فيه عجيبة اختفاء السيد المسيح حين قفز عنه واختفى من بينهم عندما لاحقوه، ولقد اكتشفت الكنيسة القائمة عليه منذ العهود القديمة.
لقد بنيت هذه الكنيسة أو هذا الدير تكريماً للسيدة العذراء وسميت "سيدة الخوف" ربما لأنها خافت على إبنها عندما اختفى، ولا يعرف اذا كان هذا الدير يمت الى جبل القفزة بصلة. وفي اوائل القرن التاسع لم يكن في الناصرة غير كنيسة واحدة خدم فيها 12 راهباً فقط. في نفس الوقت الذي خدم فيه 8 راهبات في دير جبل القفزة.
أما في زمن الصليبيين فلقد كتب بطلوس (1145) : على بعد 1600 متر من الناصرة يوجد جبل يسمى "جبل القفزة". ولقد ذكر هذا الجبل من أغلبية السياح الذين زاروه بالرغم من وعورة الطريق ومن بعده عن الناصرة، ولكنهم قالوا: جاء في الإنجيل" ظهر الجبل المبنية عليه مدينتهم" وهذا القول لا يتلائم مع جبل القفزة، فجبل القفزة يواجه أو يقابل المدينة ويبعد عنها.
لكن كواريسميو( 1620) أعطى تفسيراً لذلك بقوله :" كلمة الجبل" ليس المقصود بها الجبل المبني عليه مدينتهم الناصرة وإنما ضواحيها. ولقد قال باجيتي بعد الحفريات الجديدة في سنة 1954 عن الناصرة بأنها كانت مدينة منثورة على تلة صغيرة الى الشمال من كنيسة البشارة. وقيل عن المسيح، بأن أهل الناصرة حسدوه على حدّة ذكائه ونضوج عقله ولذلك أرادوا قذفه إلى الهاوية لكنه اختفى من أمامهم.
وفي اعقاب هذه التساؤلات والشكوك، اصبح الاهتمام يقل بهذا الجبل، كما توقفت المسيرة السنوية التي كان ينظمها الآباء الفرنسيسكان الى هذا الجبل منذ عام 1970، حيث كان يسير وجهاء المدينة وجمع كبير من الكهنة والشعب على الاقدام في طرق وعرة لكي تقام الصلوات على قمة هذا الجبل الذي قدسه كل مسيحي في العالم.
كان اللاتين يبتهجون بعيد جبل القفزة وكان الرهبان والاهالي يعدون العدة مسبقاً، فيحضرون المأكولات والفاكهة والنقولات ويوزعونها على الاهالي ويسيرون الى الجبل في يوم الاثنين الذي يقع بعد الاحد الثالث من الصوم.
اما الروم والمسكوب الذين يكثر عددهم في عيد البشارة في 25 آذار شرقي وكانوا يزورون القفزة في هذا اليوم.
وفي ايام الصليبيين قيل بأن آثار اقدام وايدي المسيح كانت مطبوعة على صخرة هناك عندما امسك بها حتى لا ينزل الى الهاوية. ولقد اكد هذا بروكهارد من جبل صهيون في سنة (1283) حين قال بأنه رأى علامات جسد المسيح وملابسه مطبوعة في ذلك المكان لكن احداً لم يثبت هذا القول.
في الجهة الغربية من الجبل يوجد مغارة استعملت كمنسك وعليها بنيت كنيسة العذراء، ولقد دارت الاقاويل حول هذه المغارة بانها استعملت كملجا لمريم ويسوع عند هروبه من الجبل بعد ان لحقه اهل المدينة.
وفي اعلى الوادي بين القمتين توجد " بلاطة العروس " التي ترتفع عن سطح البحر ( 1290) فدما و500 فدما فوق مرج ابن عامر.
يقال بان اسم جبل القفزة يطلق فقط على احدى قمم هذا الجبل وهي القمة الغربية وهي منخفضة قليلا عن القمة الاخرى المقابلة لها والعمودية الشكل والتي تقوم الكنيسة عليها .
ويقول كاستون دي هاردي بان الرهبان الفرنسيسكان جددوا كنيسة سيدة الرجفة سنة (1888) .
الحمام التركي
حمام طنوس قعوار 1853-1917
من كتاب تاريخ الناصرة
بقلم نهى زعرب قعوار
عندما نفتح صفحات التاريخ، تعود إلى ذاكرتنا بعض الذكريات لتنقلنا عبر قناة الزمن، لنطالع إبداعات فترة بعيدة عفا عليها الزمن، لتقول لنا: هنا كان بناة الغد وهنا كانت نظرات الإشراق تنبعث من عيون الرجال ليسجلوا تاريخ الناصرة تلك البلدة العريقة التي تحولت حكايتها إلى ألق وسنًى عبر العصور والأزمان، لاختلافها عن غيرها من المدن القديمة بطريقة عمرانها الفريدة والمتلاحمة خصوصا الناصرة القديمة حيث البيوت العريقة والمشهورة بخصوصيتها وبجمال مبانيها وبفخامة هندستها وهندسة ورسم سقوفها وجدرانها بالرسوم الزيتية والزخارف الخشبية الجميلة.
كان الحمام التركي من أميز وأضخم مبانيها ومعالمها في تلك الفترة غير البعيدة من الزمن، وكان هذا العمل الكبير يعتبر من أكبر وأضخم الأعمال والخدمات العامة التي قام على إنشائها وتمويلها من جيبه الخاص وفي ملكه الخاص أول رئيس لبلدية الناصرة السيد "طنوس قعوار" قبل جلوسه على سدة رئاسة البلدية في عام 1875 حتى عام 1886 وكان يصرف على الحمام وعلى جميع الوظائف فيه كما يصرف للموظفين أيضا على المأكل والمشرب والملبس وخصوصا في الأعياد والمناسبات.
بني الحمام عام 1853واستمر في العمل حتى عام 1917.
تربع هذا البناء خلف عين العذراء شامخا بقبابه المستطيلة الشكل والمعشقة بالزجاج الأخضر، وبجدرانه السميكة العالية التي تختزن حكايات الزمن الغابر مصورة عظمة مسار التاريخ القديم المطل عليه من كنيسة البشارة التي شهدت على عظمة هذا البناء ونشاطه.
استوحي هذا النمط من البناء، من الطراز البيزنطي والتركي معا، فالشبه واحد بينه وبين الحمامات التركية في جميع أنحاء الشرق، فالأتراك نجحوا في ترك بصماتهم وفي تواجدهم العمراني في هذه المناطق لكي يعبروا عن تميزهم بهذا الفن المعماري الأصيل والجميل معا.
بني الحمام على شكل مستطيل متميز بشكله وبنسيجه العمراني وبطريقة هندسته الحكيمة التي تجعل الضوء يدخل من زجاجه الأخضر المنثور على قبابه لكي تتوزع الإنارة في جميع أركان الحمام الذي بني بنظام العقود وكان بناؤه تطويرا للمرافق العامة في الناصرة وإسهاما في إنعاش الحياة الأرستقراطية فيها وفي كل المنطقة.
توسط هذا الحمام مدينة الناصرة بحيث أحاطت به بعد مدة من الزمن البنايات المرتفعة التي كانت عائلات الناصرة النبيلة تبنيها حوله، والتي لا يزال بعضها قائما حتى يومنا هذا، وكان في فناء الحمام ساحة كبيرة بيضاء اللون، ترابية تتوسطها عين العذراء. بعد ذلك وُضعت لهذا البناء السواقي لتصريف المياه، وبُلطت باحاته وساحاته بأجمل البلاط الرخامي الكبير الذي أُحضر خصيصا من إيطاليا مع مجموعة من المرايا الكريستالية الكبيرة والجناطيس وطاسات المياه وبعض قطع الأثاث الفاخر التي كان يحتاج إليها الحمام في ذلك الوقت.
مساحة الحمام كبيرة جدا فلقد كان يمتد من ساحة كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس حتى الشارع الرئيسي للناصرة، ملتصقا بالخان الذي بناه طنوس قعوار أيضا والذي هو اليوم مطعم "فونتانا دي ماريا". يفصل بينهما سباط يؤدي من الجهة اليسرى إلى مدخل الإسطبل وإلى باب السيح (البئر) الذي كان يزود الحمام بالماء بواسطة مضخات ضخمة، هذا الماء كان ينقل إلى داخل الحمام حيث يوجد مكان لإيقاد النار، عليه بعض الحلل الكبيرة جدا لتزويد الحمام بالماء الساخن، وكان الحمام يقسّم إلى صالات عديدة منها الكبيرة ومنها الصغيرة وكان فيه مكانان للاستحمام.
إحدى هذه الصالات فرشت بالفرش العربي الأصيل وكان يؤمها السياح من كل حدب وصوب ليروا هذا المكان الذي أصبح مَعلما سياحيا وثقافيا واجتماعيا وصحيا لسكان مدينة الناصرة ولضواحيها.
كان الحمام يعج بالرجال الذين يجلسون به الساعات الطوال لسماع الحكايا ولأكل الفاكهة والبذورات ولشرب الشاي والقهوة والقرفة والسحلب، ولف الدخان العربي وتدخين النراجيل الفضية والزجاجية التي تسبح داخل مياهها الأشكال الشمعية الصغيرة الملونة، وكانت تتواجد في هذه الصالة كوانين النحاس الأصفر اللماع وعليها دلال القهوة السادة المثيرة للشهية برائحتها اللذيذة المنبعثة منها في جميع أنحاء المكان.
إحدى هذه الصالات تميزت بكونها منشأة صحية متكاملة بحيث يشعر فيها الإنسان بالنشاط والنظافة التي كان عمال الحمّام وموظفيه يؤمنونها ويحافظون عليها ويهتمون بها كثيراً. فلقد كانوا يعقمون المناشف بشكل خاص، لكي يسعدوا الزائر أو الزائرة. وكانت تقام في هذه الصالة أيضاً العلاجات بالمساجات وبالعلق وبالتشطيب بواسطة مختصين بالعلاج الطبيعي المتوارث عن الاجداد وخصوصاً من الحلاقين.
بقرب هذه الصالة كان مكان الاستحمام حيث كان يتواجد فيه الحممجية من الرجال، في اليوم المعدّ للرجال، وأما في في اليوم المعدّ للنساء، فكانت تتواجد فيه البلاّنات، وهؤلاء الرجال والنساء كانوا يساعدون الزوار على الاستحمام.
أما أجمل قاعات الحمام، فكانت قاعة العروس حيث كانت النساء يقمن بالاستعداد لهذه المناسبة الفريدة، فتقوم بعضهن بصنع عجينة الحناء وتقوم الاخريات بتجميل القاعة بالازهار وبالشرائط الملونة وبتزيين المقعد الوثير الذي ستصمد عليه العروس، كما تقوم احداهن بترتيب الحلويات التي كانت تقوم النسوة من أهل العروس باعدادها لهذه المناسبة.
وكانت تزين الدواوين حول كرسي العروس بالطنافس وبالقرن الصغيرة المطرزة بالخيوط الحريرية الجميلة.
وكانت تتوسط هذه القاعة زهرية كبيرة مملوءة بالازهار البيتية والموسمية في تلك الفترة.
أما أرض القاعة فكانت تفرش بالسجاد العجمي الجميل وبعض الارائك المطرزة. وكانت العروس تلبس وتتجمل في الحمام بعد أن تتحنى بالحناء وتكحل عينيها وتلبس ثوبها النصراوي التقليدي المميز، بعد ذلك كانت الماشطة تشرف على زينة العروس ومظهرها الانيق. أما العرس فكانت تحييه سيدة تعزف على العود وتغني، وكانت السيدات تقوم بالرد عليها وبإطلاق الزغاريد الجميلة والمفرحة.
أول عروس استحمت وتزينت في هذه القاعة كانت السيدة سليمة قعوار الابنة الكبرى لطنوس قعوار.
ولقد دعي الى هذا العرس الاحتفالي جمع كبير من سيدات المجتمع الراقي والاجنبي في الناصرة. وكان هذا العرس جزءاً من احتفالات إفتتاح الحمام الذي كان حدثاً تاريخياً هاماً في حياة الناصرة الهادئة والبعيدة عن الاحتفالات والاحداث المهمة عدا إحتفالات الاعياد والاعراس، ولقد أحضرت المغنيات والراقصات لاحياء هذه المناسبة.
أما قاعة رئيس البلدية "طنوس قعوار فلقد كانت قاعة متواضعة، صغيرة المساحة، بسيطة الزخارف، فرشت بالدكك للزوار المحليين وببعض الكراسي الفاخرة التي احتفظ بها جدي كذكرى من والده، لكنها احترقت عندما احترق بيت العائلة القديم في عام 1988 كما احترق معها معظم الأشياء القديمة والثمينة التي كانت العائلة تحتفظ بها، وخصوصاً اللوحات الجميلة ذات الأطر الخشبية المزخرفة الدقيقة الصنع والتي كتب عليها بعض الأشعار التي تمدح صاحب المكان ، وأيضاً بعض الحكم ولأمثال التي كانت معلقة على الجدار الشرقي للقاعة والذي كان معرضاً لهذه اللوحات. وأما على الجدار المقابل فلقد علقت بعض نماذج للوحات قماشية مطرزة بخيوط الحرير، كانت تستعمل كبقجة لملابس العروس، ولا زلت أحتفظ بواحدة منها كانت لجدتي.
كما علق على الحائط بعض الخناجر والطبنجات وبعض الأسلحة التقليدية القديمة والهدايا التذكارية التي علق بعضها على جوانب النوافذ التي فتحت بطريقة خاصة لإدخال بعض الهواء النقي الى داخل الحمام دون السماح لدخول الأعين المتطفلة إلى الداخل .
وفي إحدى الجهات كان يقوم جناح العائلة، الذي لم يكن مزيناً بصورة كبيرة، لكنه كان جميلاً وانيقاً ومزخرفاً زخرفة جميلة. وكانت تتوسط هذه القاعة نافورة ماء صغيرة الحجم، دائرية البناء مبنية باحجار مزخرفة وجميلة واما جدران هذه القاعة فكانت مزدانة بالخشب المحفر الذي بقي بعضه في بيت جدي طنوس قعوار. كانت هذه القاعة مزينة بنباتات الزينة الجميلة وكانت ارضها مفروشة بالسجاد وببعض الطنافس الجميلة.
في هذا الركن كانت تجلس العائلة مع الاصدقاء، وفي ركن الزوار كان يجلس احد الحكواتية لسرد حكاياته المشوقة التي كانت تشد الاصدقاء والزوار. اما الاطفال فكانوا يجدون المتعة في صندوق العجائب الذي كان يتواجد في ساحة الحمام الخارجية الذي كان يدار بيد صاحبه، كما كانوا يلعبون في جنائن الحمام المتواجدة على جانبيه والمملوءة بالأشجار المثمرة.
اما القاعات الاخرى فقد جهزت كغرف جلوس عادية مع دكك خشبية غطيت بالمخمل الاحمر وبالحرير المخطط. ولقد بني على جدران هذه القاعات القيشاني او الخزف المزخرف الذي كان يثبت على الجدران من الداخل. وقد كتب على بعض هذه البلاطات كتابات وحكم وامثال وهذا كان من مميزات العصر العثماني. وكان يعرض في هذه القاعات بعض نماذج من النحاس الاصفر الضخم، المنقوش والمصقول بصورة جميلة وفريدة، كما كانت تعرض هناك ايضاً بعض التحف الاثرية والاشكال الزجاجية الصينية والاجران الرخامية المنقوشة وبعض الصور التي تمثل المجتمع النصراوي في تلك الفترة من الزمن.
لقد لعب هذا الحمام دوراً كبيراً في حياة عائلات الناصرة، لأنه كان أول حمام عمومي في البلدة التي كانت تعاني من شح المياه في ذلك الوقت إذ يعود تاريخ هذا الحمام الى أكثر من مائة وخمسين عاماً. لقد تميز هذا الحمام أيضاً بعقوده المدببة الرؤوس التي كانت تحمي الناس من حرّ الصيف ومن برد الشتاء، كما تميز أيضاً بشكله الهندسي الرائع الذي كان يعكس الفن العريق للعمارة الشرقية في تلك الحقبة غير البعيدة من الزمن، ولقد نسج الأجداد القصص حول الحمام وذكرياته واحتفظوا بتلك الصور الجميلة في ذاكرتهم.
لقد أعطى تخطيط هذه العمارة وأصالتها وإبرازها زخماً خاصاً لما بذل فيه من مجهود جبار لرجل عظيم واحد قام بعمل كبير ، ضخم وجاد.
بناء هذا الحمام في هذا الموقع البعيد عن مباني مدينة الناصرة القديمة، جعل أهل الناصرة يبنون حوله وبقربه المباني الكبيرة والجمياة والعالية، فهذه المنطقة من الناصرة ، كانت منطقة غير مأهولة، وعرة ، ومزروعة بأشجار الزيتون وتعيش فيها بعض الحيوانات البرية مثل الواويات وغيرها.
بقرب الحمام، وعلى بعد أمتار معدودة منه، بنى طنوس قعوار "الخان" الذي لا يزال قائماًحتى يومنا هذا، وهو اليوم "مطعم فونتانا دي ماريا".
كان ينام في هذا الخان زوار الناصرة وزوار الحمام الذين يحضرون من خارج الناصرة ومن خارج البلاد أيضاً.
لقد كان القرن الماضي بداية ونهاية لتألق هذا الحمام الذي كان يحن الى استئناسه لماضيه كأنفاس شبابة بيد راع يسوق قطيعه على سطح رابية من روابي الناصرة الخضراء. ولقد كتب لهذا المكان أن يعبر عن حقيقة ذاته لكي تبقى معالمه مطبوعة في كل الأذهان ، مذكرة أبناء البلدة بحقبة فريدة عبّرت عن تاريخها تاركة بصماتها عليه لقيمته المعنوية المتميزة ولجماليته المعكوسة على كل ما حوله مبرزة معالمة الحضارية والتاريخية المنقوشة في ذاكرة التاريخ الناصري القديم، لعدم قيام أي بناء آخر في المنطقة يشبهه او يضاهيه بعظمة بنائه الذي تم خلال اربع سنوات فقط بفضل المجهود الكبير الذي بذله طنوس قعوار لأتمام هذا العمل الكبير، وذلك لأحضاره أربعين عاملا فنياً ومختصاً بهذا النوع من البناء الخاص من بلاد الشام الى الناصرة وأسكنهم عنده متكفلاً بمأكلهم وبمشربهم وبمسكنهم وبصحتهم حتى اتموا العمل على اكمل وجه وعادوا الى بلادهم. وبقي الحمام طوال نصف قرن ساهراً مع الذكرى وشاهداً على حقبة حية من تاريخ الناصرة. انه لون وشكل وفن وشاهد ومقدرة للإنسان ولعمله الكبير، فالبناء يدل على نبوغ في الإنشاء، خاصة في اعمدته وفي سقفه وحيثما سرت في داخله تطالعك الإبداعات لذلك العمل العملاق الذي لم يبق منه سوى عقوده التي تحكي تاريخ هذا المكان المبني بالحجر الكلسي والذي يبلغ عرض حائطه ما يقارب الثلاثة امتار في بعض الأماكن.
اما الان فلقد اختلفت وظيفة الحمام، فمعظم قبابه المرصعة بالزجاج الأخضر هدمت وبني مكانها منازل لأصحاب الملك من عائلة قعوار نظرًا لندرة الأرض في مدينة الناصرة، اما السيح فلا يزال قائمًا تحت هذه الأبنية بعقوده الجميلة البناء من الداخل، واما الحمام فلقد تحولت ابنيته الى منجرة ومقهى ومكان لبيع الاثاث، وسينما اسمها "سينما ركس الجليل" وبعد ذلك تحولت هذه السينما الى مدرسة صناعية تابعة لبلدية الناصرة، اسمها "مفتان" ولا يزال هذا البناء مستأجراً من قبل البلدية. اما الجزء الخلفي منه وهو الاسطبل فلقد تحول الى مخازن للمدرسة البلدية والجزء الامامي منه تحول اليوم الى مطعم صغير، وهناك العديد من المتاجر في واجهته مثل اثاث الاطفال والعطور والخضروات.
لقد استمر عمل الحمّام الجاد ما ينيف على نصف القرن وذلك حتى انسحاب الأتراك من الناصرة خاصة، ومن فلسطين وكل المنطقة عامة في عام 1917 .
وعندما تم هذا الإنسحاب للاتراك، خلت الناصرة من المسؤولين وحصل (حلّة حكم) فهجم الاهالي على جميع الممتلكات الحكومية وكذلك على الحمام التركي الذي هو ملك خاص، فخربوا ونهبوا وسلبوا جميع محتوياته ولم يبق منها الا القليل. وفي اليوم الثاني عاد الاتراك الى الناصرة وقاموا بقتل كل من سلب ونهب وخرب في المدينة، وفي اليوم الثالت دخلت جيوش الانتداب البريطاني الى فلسطين فخرجت شراذم الاتراك المتبقية في الناصرة وكان هذا اليوم هو نهاية العمل في الحمام ذلك الصرح الكبير الذي عمل بشكل جاد لاجل راحة ورفاهية اهل الناصرة والمنطقة.
من كتاب تاريخ الناصرة
بقلم نهى زعرب قعوار
مدينة الناصرة شأنها شأن جميع مدن فلسطين ، تقسم إلى حارات أو أحياء تحمل أسماء مختلفة، وعادة ما تنسب هذه التسميات إلى عائلات من سكان المدينة نفسها تعيش في تلك الحارة أو في ذلك الحي ، وكانت كلمة ( محلة ) والتي تعني حارة شائعة جداً في الناصرة ، إضافة إلى ذلك كانت بعض تسميات الحارات ترتبط بموقعها بالنسبة للبلدة نفسها ، فيقال مثلاً الحارة الغربية ، وأحياناً أخرى تسمى الحارة لموقعها الطبوغرافي في البلدة ، فيقال الحارة الفوقا والحارة التحتا ، ومن حارات ومحلات الناصرة : محلة الجامع ، محلة عبيد ، محلة الشرقية ، محلة الجرنة ، محلة فرح ، محلة يمانية ، محلة اللاتين ، محلة الشوافنة ، محلة البيادر ، محلة العديني وغيرها . أما الأسواق في الناصرة فقد أخذت تسميتها من المهنة التي تمارس فيها مثل : سوق الصباغين ، سوق القهاوي ، سوق الخضرة ، سوق الصياغ ، سوق السكافية ، سوق المواستية والحدادين ، سوق النجارين وغيرها من التسميات
من كتاب تاريخ الناصرة للمؤرخة نهى زعرب قعوار
يبلغ عدد سكان المدينة حوالي 96 ألف نسمة جلّهم من العرب الفلسطينيين ذوي الجنسية الإسرائيلية. تشير التقديرات إلى أن 69% منهم مسلمون والباقي مسيحيون. تعتبر الناصرة مركزا تجاريا هاما لمدن وقرى منطقة الجليل.
* نشاط السكان
اعتمد سكان القضاء قديما وحديثا على مدينة الناصرة في تلبية احتياجاتهم ، وكان لا بد لهذه المدينة من توفير مثل تلك الاحتياجات ، فنمت وازدهرت وجد أهلها في العمل ، حيث اشتغل قسم منهم بزراعة الأشجار المثمرة والخضراوات ، كما راجت أعمال التجارة فيها وكانت تمثل السوق الرئيس لعشرات القرى ، التي تبيع ما تنتجه فيها وتبتاع منها كل ما تحتاجه ، كما ازدهرت كذلك الصناعات الخفيفة ، مثل أعمال التجارة والحدادة والدباغة والخياطة والصباغة وأعمال البناء والهدايا التذكارية من سجاد ونحاس وخشب محفور ، كما اشتهرت نساء الناصرة بأشغال الإبرة . وفي الناصرة معاصر للزيتون والسمسم لاستخراج الزيت والطحينة ، وفيها مصانع للصابون. و قامت الناصرة منذ القدم بالوظيفة الاقتصادية لمجموعة كبيرة من القرى والتجمعات السكانية. ولا زالت المدينة تؤدي هذه الوظيفة لعشرات الآلاف من السكان العرب في المنطقة. كانت السياسة التي اتبعها اليهود منذ عام 1948م وحتى عام 1967م تجاه عرب فلسطين المحتلة تقوم على عدم السماح ببروز قطاع اقتصادي عربي ، وبالتالي منع قيام مراكز سلطة اقتصادية مستقلة ، وعليه فان القاعدة الاقتصادية في فلسطين المحتلة بشكل عام ، كانت حتى عام 1976م ضعيفة جدا . فلم يكن العرب يملكون سوى ثلاث مؤسسات صناعية فقط ، اثنتان صغيرتان تهتمان بالخياطة وثالثة للأشغال المعدنية . ضّيقت الحكومات الإسرائيلية على الزراعة العربية ، ولم تصنع الوسط العربي ، بل على العكس صفّت ما وجد فيها من مصانع وشركات ، مثل صناعة التبغ في مدينة الناصرة . وصمدت بعض الشركات مثل شركة باصات ( العفيفي ) العربية في هذه المدينة ، وبقيت بعد مقاومة طويلة ومريرة ، كذلك فان الحكومات الإسرائيلية ترفض اعتبار الوسط العربي منطقة تطوير من الدرجة الأولى ، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على جذب الصناعيين وأصحاب الشركات وهي لا تشجع ولا تدعم ولاتقيم أي مصنع في الوسط العربي بأموالها أو بأموال مشتركة . وهكذا تتصرف أيضا نقابة العمال ( الهستدروت ) التي تملك 25% من الصناعة اليهودية . فلم تقدم أية قروض تذكر لتشجيع الصناعة العربية . وفي الوسط العربي كله وحتى نهاية عام 1983م ، كان هنالك 140 ورشة صناعية ، غالبيتها الساحقة عبارة عن مخيطات وورش إنتاج مواد بناء أولية وحدادة ومناجر صغيرة . وفي المقابل نجد مستوطنة يهودية مثل " الناصرة العليا " التي أقامتها السلطات الإسرائيلية عام 1957م على أراضي الناصرة والقرى العربية المجاورة وضمن مخطط تهويد الجليل ، نجد مثل هذه المستوطنة تصبح مركزا صناعيا في فترة زمنية قصيرة جدا ، تحوى 160 مصنعا وورشة صناعية ، في حين لم ينشا مصنع واحد في مدينة الناصرة العربية القائمة منذ آلاف السنين . وهكذا فإننا نجد مدينة عربية كبيرة في فلسطين المحتلة مثل الناصرة تخلو من المصانع والمشاريع الكبيرة ، ولهذا اتجه أهلها لإعمال التجارة والخدمات وبعض الصناعات التحويلية البسيطة المتعلقة بالسياحة ، مثل حفر الخشب والخزف ، كما اضطر بعضهم إلى التوجه للعمل في المصانع والورش اليهودية
كان يوجد في مدينة الناصرة في بداية القرن العشرين ثلاث مدارس، واحدة في قرية سولم والثانية في قرية اندور بالاشتراك مع قرية نين أما الثالثة فكانت في قرية الناعورة بالاشتراك مع قرية تمرة، وارتفع عدد المدارس ليصل إلى 14 مدرسة في العام 1937 / 1938 ، منها مدرسة للبنين ومدرستان للبنات، كما وجد دار المعلمين الروسية ، وازدهرت الحياة العلمية بعد إنشاء المدارس، وقد دخلت أول مطبعة لمدينة الناصرة عام 1923 ، مما ساعد على ازدهار الحركة الثقافية فيها.
* أزياء أهل الناصرة
بعد اختلاط أهل فلسطين بالأمم الأخرى ، تنوعت أزياؤهم واختلفت من منطقة إلى أخرى ، وبشكل عام فقد امتاز لباس الرجل والمرأة في فلسطين عامة وفي الناصرة بشكل خاص ، بكثرة القطع التي يرتديها كل من الرجل والمرأة ، كما أمتاز لباس أهل الناصرة وخاصة لباس المرأة بطولة ، إذ كان يغطي جسمها بالكامل باستثناء الوجه واليدين ، ومن الأسماء المألوفة والتي كانت منشرة في زي المرأة الناصرية : الصمادة : وهي كيس أسطواني محشو بالقطن كانت توضع على الرأس . الزربند : شقة من الحرير مخططة بألوان مختلفة تطوى من الأعلى وتوضع فوق الصمادة وتعصب بمنديل طويل يرسل على الظهر ويربط الوسط بزنار . العصبة : منديل يطوي ويكسو أعلى الصمادة . الجلابة : وهي جبة طويلة مفتوحة من الأمام . الدامر : عبارة عن جبة قصيرة . القنباز : استعمل بدل الجلابة وله فتحتان على الجانبين وله ألوان كثيرة . العباءة : وبه جلباب قصير الأكمام من الجوخ المطرز ، مع مرور الزمن أخذ استعمال هذه الألبسة يقل فانتقلت النساء إلى اللباس الحديث ، وألغيت الصمادة والدامر والعباءة والعصبة وغيرها ، أما لباس الرجل فكان العمامة البيضاء للمسلم والسوداء للمسيحي ، ثم الطربوش والحطة والعقال والقنباز والسروال والعباءة وغيرها ، وقد قل لبس العمامة باستثناء رجال الدين المسلمين ، وشاع لبس الطربوش الأحمر كما قل استعمال القنباز ، ثم حدثت النقلة من القديم إلى الحديث وشاع اللباس الحديث مثل ( الجاكيت والقميص والبنطلون ) ، أما الشيء المتبقي من الزي القديم فهو الحطة والعقال والذي لا زالت قطاعات كبيرة من الأهالي ترتديه.
من كتلب "تاريخ الناصرة"
بقلم نهى زعرب قعوار
تقع الناصرة في قلب الجليل الأدنى على سفح جبل يرتفع عن سطح البحر نحو 400م. تحيط بها سلسلة جبال مرتفعة هي جزء من جبال الجليل الأدنى فتطل على مرج ابن عامر من الشمال. تبعد حوالي 24كم عن بحيرة طبريا و9كم عن جبل الطور. وقد كان لموقعها الجغرافي أهمية منذ القدم فكانت طرق فرعية تصلها بالطرق الرئيسية التي تربط بين سورية ومصر من جهة وبين الأردن وفلسطين من جهة أخرى. وكانت القوافل التجارية تعرّج عليها أثناء مرورها في مرج ابن عامر. ان الناصرة أكبر مدينة (تقريبا)في إسرائيل
من كتاب "تاريخ الناصرة"
بقلم نهى زعرب قعوار
مدينة الناصرة مدينة قديمة ، عرفت وسكنت منذ القدم على الرغم من مرورها بفترات زمنية لم تكن فيها ذات أهمية كبيرة ، ولم يرد ذكر لها في كتب العهد القديم أو المصادر الأدبية ، ولكن هذا لا يعني أنها عرفت وسكنت فقط في العهد الجديد وبعد ميلاد السيد المسيح . إذ أن الحفريات الأثرية دلت على أن الناصرة كانت مسكونة في العصر البرونزي المتوسط وفي العصر الحديدي . ورد أول ذكر للناصرة في الإنجيل ، ففيها ولدت مريم العذراء وبشرت بالمسيح ، وفيها نشأ السيد المسيح وقضى معظم حياته ، ومن هنا بدأت أهمية هذه المدينة في التاريخ ، وأصبح اسمها يرد كثيرا بعد ذلك في الكتب والمؤلفات ، أما دخولها الأحداث التاريخية بعد السيد المسيح ، فكان في الفترة التي أعقبت عام 136 للميلاد ، فبعد أن خرب " نيطس " مدينة القدس في العام الميلادي السبعين ، عاد اليهود فعصوا ثانية، على عهد الإمبراطور " هدريان" فأرسل إلى القدس جيشا عظيما أخضعهم ودمر القدس عام 131 للميلاد ، ثم جدد بناءها في العام 136 م ، وحكم بالموت على كل يهودي يدخل القدس ، عند ذلك وجه اليهود قواهم وأنظارهم نحو الجليل ، وحصلوا على امتياز من الإمبراطور بأن لا يدخل غير اليهود إلى بعض المدن ومن ضمنها الناصرة . فاحتجبت هذه البلدة وظلت هكذا حتى عام 250م ، وبعد ذلك أخذت الناصرة تنمو وتزدهر ، وكان ذلك ابتداء من الفترة الواقعة بين عامي 306 و 337م ، حيث بنيت فيها الكنائس والأديرة ، وفي عام 404م زارت القديسة الغنية ( باولا ) مدينة الناصرة وقالت عنها " ذهبنا إلى الناصرة التي هي كاسمها زهرة الجليل " وتشير الحفريات إلى أن أول كنيسة في الناصرة هي كنيسة البشارة ، وكان ذلك عام 450 م .
تم احتلال المدينة من قبل العرب المسلمين عام 634م ، على يد القائد شرحبيل بن حسنة فاتح شمال فلسطين ، وكانت تابعة لجند الأردن الذي كانت قاعدته طبرية ، ويذكر البعض أن الناصرة لم يرد لها أي ذكر بعد الفتوحات الإسلامية ، فلم تذكر في الكتب الأدبية والمؤلفات، ولكن الصحيح غير ذلك ، فقد ذكرت كثيرا عند الجغرافيين والمؤرخين العرب ، إذ ذكرها اليعقوبي في القرن التاسع الميلادي ، والمسعودي في الحادي عشر ، والهروي في الثاني عشر ، كما ذكرها أيضا ابن شداد في القرن الميلادي الثالث عشر ، وياقوت في الرابع عشر، والقلقشندي في الخامس عشر . وقد لمع اسم هذه المدينة أيام إبراهيم باشا وظاهر العمر وأحمد باشا الجزار وسليمان باشا وعبد الله باشا . وعندما بدأت الحملات الصليبية على المنطقة ، كانت الناصرة من ضمن المدن التي شهدت نزاعات كثيرة بين الفرنجة والمسلمين ، فبعد أن استولى الفرنجة على القدس دفعوا بجيوشهم إلى منطقة الجليل شمالا ، واستولوا عليها ، ووضعوا حاميات لهم في بعض بقاعها ومن ضمنها الناصرة ، وشرع قائد الفرنجة في بناء الكنائس في المدينة ، ونقل إليها أسقفية بيسان . ثم استولى عليها المسلمون قسرا بعد معركة حطين الشهيرة ، وبقيت بحوزتهم إلى أن عقدت معاهدة عام 1229 م – 626 هـ بين ملك الفرنجة والملك الكامل ، وبموجب هذه المعاهدة عادت الناصرة إلى الفرنجة ، بعد ذلك تناوب عليها الطرفان ، فهي تارة بحوزة المسلمين وتارة أخرى تحت سيطرة الفرنجة ، وعلى سبيل المثال هاجمها الظاهر بيبرس عام 1263 م – 661 هـ واستولى عليها ، وبعد ذلك بثمان سنوات احتلها الفرنجة مرة أخرى ، وبقيت تحت سيطرتهم حتى عام 1291م –690 هـ حين استولى عليها المسلمون على يد خليل بن قلاوون . دخلت الناصرة بحوزة العثمانيين عام 1517 م – 923 هـ . وأول من استقر بها العرب المسلمون ، وفي النصف الأول من القرن السابع عشر نزلها بعض العرب المسيحيين ، حيث قدم بعضهم من موارنة لبنان للسكنى فيها . وكان ذلك في عام 1630 م – 1040 هـ أما اليهود فلم يجرؤوا على دخولها حتى أوائل القرن التاسع عشر .
أثناء حصار نابليون لمدينة عكا عام 1179م – 1214هـ ، بلغه أن العثمانيين جهزوا جيشا كبيرا لنجدة الجزار ، بالإضافة إلى 7000 مقاتل من جبال نابلس ، تجمعوا في الجليل للالتحاق بالجيش العثماني ، فأرسل حملة لصد العثمانيين قبل وصولهم عكا ، التقى الجيشان ثم استولت على الناصرة في اليوم التالي ، وفيما بعد ، اتخذها الأمير ظاهر العمر دار مستقر له مدة من الزمن ، فبعد أن استقام له الوضع في المنطقة ، عين أولاده جميعا كل واحد في مدينة ، اختار مدينة الناصرة مسكنا ومقرا له .
بني أول مسجد في الناصرة في الفترة الواقعة بين عامي 1805 و 1808 إذ لم يكن للمسلمين مسجد في الناصرة يصلون فيه أيام سليمان باشا ، وكانوا يصلون في بيت من بيوت الأمير ظاهر العمر ، وفي تقويم آخر يقال بأن هذا المسجد بني عام 1814م – 1229هـ ، أما الرأي الثالث فيقول انه بوشر ببناء جامع الناصرة والذي يدعى بالجامع الأبيض ، على يد على باشا مساعد والي عكا . وكان ذلك في عام 1812م – 1227هـ . بدأت الويلات والمخاطر تحدق بالشعب العربي في فلسطين بشكل عام وفي الناصرة ومنطقتها بشكل خاص عام 1869م – 1286هـ ، حيث بدأت المراحل الأولى من مخطط إقامة " الوطن القومي " لليهود على أرض فلسطين . وسهل ذلك بيع الحكومة العثمانية الأراضي والقرى في هذه المنطقة لأغنياء وسماسرة ليسوا من أهل فلسطين ، لا تربطهم بأرضها أية روابط ، ففي ذلك العام باعت الحكومة العثمانية الصفقة الأولى من أرض فلسطين لبعض تجار وأغنياء بيروت ومنهم سرسق وتويني ، وقد شملت هذه الصفقة أرض الناصرة ، السهل الوعر وقرى جنجار ، العفولة ، والفولة ، وجباتا، وخنيفس ، وتل الشام ، وتل نور ، ومعلول ، وسمونة ، وكفرتا ، وجيدا، وبيت لحم ، وأم العمد ، وطبعون ، وقصقص ، والشيخ بريك ، وفي عام 1872م – 1289هـ باعت الصفقة الثانية وشملت المجدل ، والهريج ، والحارثية ، والياجورة ، والخريبة التابعة للياجورة .
بعد اشتعال الحرب العالمية الأولى ، أصبحت الناصرة مركز القيادة الألمانية – التركية في فلسطين وبعد هزيمة الأتراك في تلك الحرب ، دخل الإنكليز مدينة الناصرة في شهر أيلول من عام 1918م . وعليه فقد دخلت هذه المدينة العربية، كما دخلت فلسطين بكاملها مرحلة جديدة من مراحل تاريخها وهي الانتداب البريطاني ، الذي مهد لإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين العربية ، ومنذ بداية الانتداب قسمت البلاد إلى خمسة ألوية هي : لواء القدس ( اليهودية ) ومركزه القدس . لواء يافا على الساحل ومركزه يافا . لواء السامرة في الوسط ومركزه نابلس . لواء فينيقيا على الساحل الشمالي ومركزه حيفا . لواء الجليل ومركزه الناصرة . في عام 1922م ألغى لواء الناصرة وضم إلى لواء فينيقيا تحت اسم اللواء الشمالي ومركزه حيفا ، وصارت الناصرة مركز قضاء . وفي السادس عشر من شهر تموز عام 1948م سقطت الناصرة بيد اليهود .
من كتاب" تاريخ الناصرة"
بقلم نهى زعرب قعوار
ان اسم مدينة الناصرة الكنعاني القديم هو "آبل" وسميت العبن أيضا قديما بعين آبل وهي اليوم عين العذراء التي تعني أيضا عين الحياة. لقد ذكر اسم الناصرة في العهد الجديد 29 مرة وهذا يعني بانها كانت مدينة مهمة في تلك الفترة بالرغم من عدم ذكر اسمها ولا مرة في العهد القديم . وهنالك تعليل آخر لاسم الناصرة التاريخي معناه مركز أو برج الحراسة . كما قبل بان اسمها يعني الجبل المرتفع أو منحدر الماء إلى مجراه, وليس هذا بعيدا عن شكل جبالها المشرفة على جميع الانحاء. لقد تشعبت الأبحاث عن اصل ومصدر اسم الناصرة وبعضهم يقول بانها آرامية والآخر يقول بانها سيرانية أو عبرية أو عربية ولكن معانيها حصرت في بضع مضامين :
1- الزهرة أو البرعم المتفتح أو باقة الازهار أو بستان الشجيرات أو الزنبقة أو رونق الشيء واشراقه .
2- التنسك , الصوامع , مغاور النساك , مغاور وبيوت التنك .
3- الجبل , المركز , برج الحراسة , الجبل المرتفع , منحدر الماء .
4- النصر , فاعلة النصر .
لقد ذكر المؤرخ ميريل في كتابه " الجليل في ايام المسيح " ان اسم الناصرة مأخوذ من جبل النبي سعين حسب رأي الأب عيسى اسككندر المعلوف ذلك الجبل المنتصب فوق المدينة كالحارس , والذي جاء في الاناجيل بان مدينتهم أي الناصرة كانت مبنية عليه عندما هرب وقفز المسيح عنه . ويقول أيضا الأب عيسى المعلوف بان معناها المنفصلة أو المختبئة وهذا بعيد عن الاصل . ولقد ذكرت كلمة " نتسيرت" لأول مرة باللغة العبرية في اشعار اليعيزير هلكيير في حوالي القرن الميلادي السابع . لكن مصدر اسم الناصرة الذي عرفت به منذ فجر التاريخ غير معروف لا المعنى الحقيقي و الاصل , ولكن قيل بان هذا الاسم عبري ومعناه نصر وقبل بان معناه غصن لكثرة غابتها ونضارة اغصانها في الماضي . ويقال بان معناه ناصر أي مخلص والناصرة هي مؤنث ناصر في العربية وهو الجبل الذي عله ميل أو الجبل المرتفع . والناصر أيضا هو المطر . ولقد قالت القديسة باولا بان معناه زهرة لان الناصرة تبدو كالزهرة المتفتحة منخفضة في الوسط والجبال حولها كالاوراق . ولقد نسب السيد المسيح إلى الناصرة فدعي ناصريا أي نذيرا مكرسا لفداء بني الإنسان , ودعي بالناصري وتكنى اتباعه بالنصارى نسبة للناصرة التي سميت أيضا مدينة البشارة وسميت البيضاء لبياض مبانيها واراضيها , وسميت بام المغاور لكثرة المغاور المحفورة في جبالها وصخورها . وذكرت الناصرة أيضا في معجم ما استعجم باسم نصورية , قرية بالشام إليها تنسب النصرانية. وذكرت باسم ناصرت ونتسيرت ونازرت . اما صاحب معجم البلدان فقال عن معناها : الناصرة - فاعلة من النصر ومنها اشتق اسم النصارى وهنالك قول آخر يقول بان معى كلمة الناصرة النذير أو البشير ويقول اللاأي نفسه بان المسيح كان نذيرا أو بشيرا كما يقال أيضا بان الاسم مشتق من كلمة " نيزير" وتعني التاج أي انها تاج الجليل . أما الأب يوجين هوادي فيقول غي كتابة " الدليل للأرض المقدسة " , ان الناصرة تبدو كمدينة إيطالية وليس كمدينة شرقية ويقول بان معنى كلمة الناصرة هو الزهرة أو التفتح أو الانتباه أو الحراسة وفي بعض الأحيان تفسر محروسة .
*يقول البشير متى عن السيد المسيح
وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيّاً». (متى 2: 23)
T.R. Mat 2:23 και ελθων κατωκησεν εις πολιν λεγομενην ναζαρεθ (Ναζαρέτ) οπως πληρωθη το ρηθεν δια των προφητων οτι ναζωραιος κληθησεται
Latin Vulgate
2:23 et veniens habitavit in civitate quae vocatur Nazareth ut adimpleretur quod dictum est per prophetas quoniam Nazareus vocabitur
English translations
King James Version
2:23 And he came and dwelt in a city called Nazareth: that it might be fulfilled which was spoken by the prophets, He shall be called a Nazarene.
ولم يرد حرفيا أي نبوة بهذا النص في العهد القديم
فماذا كان يعني البشير متى بهذا النبوة ؟!!
التفسير الأول:
يقترح بعض لاهوتي ومفسري العهد الجديد تفسيرا لا بأس به
الآية في ترجمتها باللغة العبرية
ויבא וישב בעיר הנקראת נצרת (ناصرة) למלאת הדבר הנאמר על־פי הנביאים כי נצרי (ناصري) יקרא לו׃
والبعض منهم يرجع الأصل في كلمة ناصري إلى كلمة “نذير” = נזיר
المذكورة في (قضاة 13: 15)
فَهَا إِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً, وَلاَ يَعْلُ مُوسَى رَأْسَهُ, لأَنَّ الصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيراً لِلَّهِ مِنَ الْبَطْنِ, وَهُوَ يَبْدَأُ يُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ».
כי הנך הרה וילדת בן ומורה לא־יעלה על־ראשׁו כי־נזיר אלהים יהיה הנער מן־הבטן והוא יחל להושׁיע את־ישׂראל מיד פלשׁתים׃
وعلى الرغم أن هذا الاحتمال مازال قائم لأن المسيح
- كان نذيرا للرب (فحياة شمشمون كانت ظل للمسيح)
- صار مخلصا للعالم (كما كان شمشمون مخلصا لبني اسرائيل)
ولكن مازالت كلمة نذير נזיר لا تتفق في الأصل اللغوي مع كون المسيح ناصريا נצרי
فجذر الكلمتين مختلف إلى حد ما
والأهم أن القديس متى لم يذكر نبيا معينا أو سفرا معينا بل قال ” مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ“
مما يعني أن هذه النبوة ليست نصيا وإنما خلاصة لمعنى معين عبر صفحات العهد القديم وقد تكلم الوحي بقلم كتبة العهد الجديد بصيغة المعنى لا الحرف كلما جاء ذكر الأنبياء (بصيغة الجمع) أو الكتاب (العهد القديم)
أمثلة:
1- فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ لأَنَّ هَذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ. (متى7: 12)
2- هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ». (متى 22: 40)
3- فِي تِلْكَ السَّاعَةِ قَالَ يَسُوعُ لِلْجُمُوعِ: «كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَكُمْ أُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ وَلَمْ تُمْسِكُونِي. وَأَمَّا هَذَا كُلُّهُ فَقَدْ كَانَ لِكَيْ تُكَمَّلَ كُتُبُ الأَنْبِيَاءِ». حِينَئِذٍ تَرَكَهُ التَّلاَمِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا. (متى 26: 56)
وهنا يأتي التفسير الثاني وهو الأرجح والأكثر صوابا
كلمة ناصرة נצרת في أصلها = נצר (غصن) + ת (تاء تأنيث)
وبالتالي فهي تعني النبتة
(أشعياء 11: 1)
وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ (المسيح من نسل يسى وداود)
ויצא חטר מגזע ישׁי ונצר משׁרשׁיו יפרה׃
(أشعياء 60: 21)
وَشَعْبُكِ كُلُّهُمْ أَبْرَارٌ. إِلَى الأَبَدِ يَرِثُونَ الأَرْضَ غُصْنُ غَرْسِي عَمَلُ يَدَيَّ لأَتَمَجَّدَ. (المسيح هو مجد الآب وفيه نحن وارثون كل شئ)
ועמך כלם צדיקים לעולם יירשׁו ארץ נצר מטעו מעשׂה ידי להתפאר׃
وهذا يتفق مع كون بقية النبوات تشير إلى ان المسيح غصن داود …
كما ذكرها أرميا (بكلمة مختلفة)
“فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أُنْبِتُ لِدَاوُدَ غُصْنَ الْبِرِّ فَيُجْرِي عَدْلاً وَبِرّاً فِي الأَرْضِ.” (أرميا 33: 15)
وكما ذكرها زكريا
” وَقُلْ لَهُ: هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هُوَذَا الرَّجُلُ [الْغُصْنُ] اسْمُهُ. وَمِنْ مَكَانِهِ يَنْبُتُ وَيَبْنِي هَيْكَلَ الرَّبِّ.” (زكريا 6: 12)
وبالتالي فهو سيدعى ناصريا أو الغصن من نسل داوود أو المولود في المدينة الغصن (النبتة)
فكما نبت المسيح من أصل دواد … نشأت مدنية الناصرة كنبتة صغيرة وحيدة على حافة جبل في الجليل كما ذكر البشير لوقا
“ قَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلُ” (لوقا 4: 29)
وهذا ما أكدته الحفريات
Situated inside a bowl atop the Nazareth ridge north of the Jezreel valley, Nazareth was a relatively isolated village in the time of Jesus with a population less than two hundred (http://www.bibleplaces.com/nazareth.htm)
فالبشير متى يجمع إذن أقوال ثلاثة أنبياء في فقرة واحدة ، ويستعمل كلمة غصن بحسب نص أشعياء ليعبر عن المسيح الغصن المقيم في المدينة النبتة
عن الناصرة:
والجدير بالذكر أن مدينة الناصرة وردت (خارج أسفار العهد الجديد) في مخطوطة أكتشفت عام 1962 م في قيصرية ماريتيما Caesarea Maritema نصها:
[ مدينة صغيرة وليس لها شهرة واسعة جديرة بالذكر أو منزلة رفيعة]
Archeology, the Rabbis and Early Christianity, P. 56
وأما معنى الناصرة
The meaning of Nazareth
Origin: Biblical
Meaning: Separated, crowned, sanctified.
Sprout, shoot, branch.
و التعريفات الآتية من موقع السلطة الوطنية الفلسطينية وفقا للقواميس و المصطلحات (عبد المسيح)
و أيضا في القاموس الأنجليزي تجد الآتي حول معنى كلمة ناصرة nazareth
nazareth
Separated, generally supposed to be the Greek form of the Hebrew _netser_, a “shoot” or “sprout.” Some, however, think that the name of the city must be connected with the name of the hill behind it, from which one of the finest prospects in Palestine is obtained, and accordingly they derive it from the Hebrew _notserah_, i.e., one guarding or watching, thus designating the hill which overlooks and thus guards an extensive region.
ووفقا لهذا التعريف ( الغصن ) جاءت النبوات الموجودة في العهد القديم التي
تتكلم عن المسيح ( الغصن ) أو المسيح ( النتذر ) و عندما سكن السيد المسيح في الناصرة
سماه اليهود يسوع الناصري أو يشوع أنذاري أو بمعنى آخر يسوع الغصن .
ويدعى ناصريا أيضا – تعني كلمة متداوله في العربية – هي كلمة النذير
ينذر الأنسان – يخرج الأنسان شئ أو يقدسه ( أي يخصصه )
و لنذر حيوان – يمنع عن المرعى البري و يعلف بمفرده لأنه فريد في خصائصه – كأن يقدم ذبيحة للأله
و النذير هو كما نفسره – غصن – لكن غصن متطرف من أصل النبته
فالشجرة داخل الحديقة – لكن الغصن تطرف و أمتد للخارج – فسمي تذيرا
كذلك تعطي النخلة أو زرعة القصب أصل و لكن يخرج منها نذير = و قد يقطع الأصل و يقوي النذير
و لذا سمي الجليليون مدينتهم – ناصرة – لأنها تنتمي لأمتهم اليهود - لكنها مرمية جغرافيا في وسط جبال السامرة
و هذا المسيح – النذير الغصن الممتد خارج شجرته الأصل – ليكون نور للأمم و مجد لأسرائيل كله و ليس حكر اليهود أو أي جنس أو عصبية
خلال ساعة من قيامته – أمتد نور المسيحية لكل أجناس الأرض – و غير قوانين حمورابي و طوع ألواح الشريعة و حرر روح الأنسان بكلمة. (37Sce)
فكرة المقال مأخوذة بتصرف من كتاب (شعبي لا يفهم- للقمص روفائيل البرموسي 2004)
من كتاب "تاريخ الناصرة" بقلم المؤرخة نهى زعرب قعوار
من المعروف بان علاقة العرب بفلسطين قديمة جدا فالمعروف إن أقدم من سكن فلسطين هم من الشعوب السامية، وأبرزهم الكنعانيون ولكن هذا الأمر غير متفق عليه علميا في نظر العديد من المؤرخين العرب ولقد سميت هذه البلاد بأرض كنعان نسبة إليهم، رغم أنهم استوطنوا جزءا من البلاد فقط ، وهي المنطقة المحاذية للساحل حيث انشأوا عدة مدن في المناطق التي استقروا فيها، اذكر منها مجيدو وكريات أربع وشكيم نابلس وحبرون الخليل، واحتفظوا بالسيادة على المناطق التي استوطنوها ما يزيد عن خمسة عشر قرنا أي حتى نحو سنة ألف قبل الميلاد حين تمكن بنو إسرائيل وهم شعب سامي آخر من احتلال البلاد واستيطانها، وعندها سميت البلاد بأرض إسرائيل نسبة إليهم. وقد نجح بنو إسرائيل في إنشاء مملكة لهم وصلت أوج مجدها وقوتها واتساعها في عهد ملكيهم داوود وسليمان، وجعلوا مدينة القدس أورشليم عاصمة لمملكتهم ومركزا لديانتهم . وفي أثناء عملية استيطان بني إسرائيل تعرضت البلاد لهجرة شعب آخر من عائلة الشعوب اليونانية التي نزحت من جزر كريت، وهم الفلسطيون أو الفلسطينيون وقد سميت البلاد فيما بعد على اسمهم فلسطين .
انتهى حكم بني إسرائيل في المناطق التي استوطنوها سنة سبعين ميلادية، حين طردهم الرومان وخربوا لهم الهيكل، واستبدلوا اسم أورشليم ب إيليا كابيتولينا.
من المعروف أن البلاد خضعت للحكم الروماني منذ القرن الأول قبل الميلاد، وفي ظل الحكم الروماني ولد السيد المسيح، وبدأت المسيحية تنتشر بين السكان المحليين، خاصة بعد أن اعتنق الرومان حكام البلاد الديانة المسيحية وجعلوها الديانة الرسمية، وذلك خلال القرن الرابع ميلادي، ولقد أطلق مسيحيو الغرب اسم الأرض المقدسة على هذه البلاد .
وفي أثناء سيطرة بني إسرائيل على البلاد، استوطنت بعض القبائل العربية فيها، وكانت في الأساس تعمل بالتجارة.
ولقد ورد ذكر العرب في التوراة في فترة الهيكل الأول والثاني...سفر نحميا 2 و6و8 و 19 ويقسم السكان المسيحيون في الناصرة إلى طوائف مختلفة تحافظ على إطارها المستقل،كما تضم عددا من الجماعات والفئات الطائفية المختلفة التي نشأت نتيجة تطور تاريخي طويل .
الفئة الأولى من المسيحيين في البلاد عامة يرجع تاريخها للشعوب التي تواجدت في البلاد عشية الفتح الإسلامي ،كالآراميين والسامريين والسوريون واليهود المتنصرين وأبناء شعوب أخرى .ومنذ بداية القرن السابع بدأت عملية استعراب هؤلاء السكان مع تغلغل اللغة والعادات والحضارة والوعي العربي وهكذا أضيفت طبقات سكان جديدة أثناء الحج إلى الأماكن المقدسة عند المسيحيين .
وفي عهود مختلفة تجمع في البلاد أبناء طوائف مسيحية أجنبية كالأرمن والأقباط والأحباش والسوريين،
فترات مهمة في تاريخ فلسطين
• *عام 3000 قبل الميلاد _ العصرالحجري
• *عام 2000 قبل الميلاد _ العصر البرونزي
• *عام 300_ 539 قبل الميلاد_ احتلال الفرس للمنطقة
• *عام 333 قبل الميلاد _ احتلال الاسكندر المكدوني للبلاد
• *عام 4 _ 37 قبل الميلاد حكم هيرودس الروماني للبلاد
• *عام 4 قبل الميلاد _ ولادة السيد المسيح
• *عام 27 بعد الميلاد _ صلب المسيح بأمر من بيلاطس البنطي
• *عام 476 بعد الميلاد _نهاية الحكم الروماني وبداية الاحتلال البيزنطي
• *عام 476 _ 614 بعد الميلاد الاحتلال البيزنطي
• *عام 614 بعد الميلاد _دخول الفرس إلى البلاد تحت قيادة كسرى الثاني
• *عام 638 بعد الميلاد _ الاحتلال الإسلامي للبلاد
• *عام 1099 _ 1100 بعد الميلاد الاحتلال الصليبي
• *عام 1187 بعد الميلاد _ سقوط الصليبيين على يد صلاح الدين الايوبي في قرون حطين
• *عام 1291 _1516 بعد الميلاد _الفترة المملوكية
• *عام 1516 بعد الميلاد _ الاحتلال العثماني
• *عام 1610 _1636 بعد الميلاد _فترة حكم فخر الدين المعني الثاني للمنطقة
• *عام 1730 بعد الميلاد _فترة حكم ضاهر العمر للجليل أثناء حكم السلطان العثماني
• *عام 1780 _1804 بعد الميلاد _ حكم أحمد باشا الجزار في الجليل
• *عام 1804 _1819 بعد الميلاد حكم سليمان باشا في عكا والناصرة
• *عام 1819 _ 1831 بعد الميلاد _ حكم عبدالله باشا _حاكم عكا
• *عام 1831 _ 1841 بعد الميلاد _حكم إبراهيم باشا
• * 20/9/1918 دخول الجيش البريطاني للناصرة في نهاية الحرب العالمية الأولى
• * 14/5/1948 جلاء الانتداب البريطاني عن البلاد وترك البلاد في حالة فوضى
• * 16/7/1948 _احتلال اليهود للناصرة حتى هذا اليوم من العام 2009
• وهكذا تم احتلال مناطق عديدة في فلسطين عام 1948
لقد تم في هذا اليوم فتح قسمين جديدين في الموقع, وهما قسم المدوّنة وقسم الأشعار. مع هذا التحديث في الموقع سيكون بالامكان ادخال مواضيع وأشعار جديدة في اي وقت وبشكل سهل وسريع من قبل المؤلفة نهى زعرب قعوار.